كتاب تقييد العلم للخطيب البغدادي
وَمُحَادَثَةُ الْمَوْتَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ: يَعْنِي النَّظَرَ فِي الْكُتُبِ وَبَلَغَنِي عَنِ الْمَأْمُونِ أَنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ آثَرُ لِلنَّفَسِ , وَلَا أَشْرَحُ لِلصَّدْرِ , وَلَا أَوفَرُ لِلْعِرْضِ , وَلَا أَذْكَى لِلْقَلْبِ , وَلَا أَبْسَطُ لِلِّسَانِ , وَلَا أَشَدُّ لِلْجِنَانِ , وَلَا أَكْثَرُ وِفَاقًا , وَلَا أَقَلُّ خِلَافًا , وَلَا أَبْلَغُ إِشَارَةً , وَلَا أَكْثَرُ عِبَارَةً , مِنْ كِتَابٍ تَكْثُرُ فَائِدَتُهُ , وَتَقِلُّ مَؤُونَتُهُ , وَتَسْقُطُ غَائِلَتُهُ , وَتُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ , وَهُوَ مُحَدِّثٌ لَا يُمَلُّ , وَصَاحِبٌ لَا يُخَلُّ , وَجَلِيسٌ لَا يَتَحَفَّظُ , وَمُتَرْجِمٌ عَنِ الْعُقُولِ الْمَاضِيَةِ , وَالْحِكَمِ الْخَالِيَةِ , وَالْأُمَمِ السَّالِفَةِ , يُحْيِي مَا أَمَاتَهُ الْحِفْظُ , وَيُجَدِّدُ مَا أَخْلَقَهُ الدَّهْرُ وَيُبْرِزُ مَا حَجَبَتْهُ الْغَبَاوَةُ , وَيَصِلُ إِذَا قَطَعَ الثِّقَةَ , وَيَدُومُ إِذَا خَانَ الْمُلُوكُ
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّارَنْجِيُّ بِخَطِّهِ , حَدَّثَنِي أَبُو تَوْبَةَ يَعْنِي صَالِحَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ دَرَّاجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: §كَانَ الْمَأْمُونُ يَنَامُ وَالدَّفَاتِرُ حَوْلَ فِرَاشِهِ يَنْظُرُ فِيهَا مَتَى انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَنَامَ
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ التَّغْلِبِيُّ، بِدِمَشْقَ , أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ، قَالَ: وَدَّعَ رَجُلٌ صَدِيقًا لَهُ فَقَالَ لَهُ: §اسْتَعِنْ عَلَى وَحْشَةِ الْغُرْبَةِ بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ فَإِنَّهَا أَلَسُنٌ نَاطِقَةٌ وَعُيُونٌ رَامِقَةٌ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، أَخُو الْخَلَّالِ , أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّطِّيُّ، بِجُرْجَانَ قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَابِرِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنِي ابْنُ الْمُعْتَزِّ (مِنَ الْبَسِيطِ) :
[البحر البسيط]
§إِذَا جَفَانِيَ نَدْمَانٌ وَمُؤْتَلِفٌ ... نَادَمْتُ كُتْبِي فَشَاهَدْتُ الْأُلَى سَلَفُوا
وَكَانَتِ الرَّاحُ أَيْضًا لِي مُنَادِمَةً ... نِعْمَ النَّدِيمَانِ صَفْوُ الرَّاحِ وَالصُّحُفُ
الرَّاحُ تُطْرِبُ نَفْسِي حِينَ أَشْرَبُهَا ... وَالْكُتْبُ يُؤْمَنُ مِنْهَا الزَّهْوُ وَالصَّلَفُ
وَأَخْبَرَنَا أَخُو الْخَلَّالِ، أَخْبَرَنَا الشَّطِّيُّ، قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَابِرِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنَا ابْنُ الْمُعْتَزِّ (مِنَ الْكَامِلِ) :
[البحر الكامل]
-[125]-
§لَا شَيْءَ أَنْفَعُ مِنْ كِتَابٍ يُدْرَسُ ... فِيهِ السَّلَامَةُ وَهْوَ خِلٌّ مُؤْنِسُ
رَسْمٌ يُفِيدُ كَمَا يُفِيدُ ذَوُو النُّهَى ... أَعْمَى أَصَمُّ عَنِ الْفَوَاحِشِ أَخْرَسُ
الصفحة 124
201