كتاب تقييد العلم للخطيب البغدادي
§الْإِكْثَارُ مِنَ الْكُتُبِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رَزْقَوَيْهِ , أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: §وَضَعَ عِنْدَنَا كُرَيْبٌ حِمْلَ بَعِيرٍ مِنْ كُتُبِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَانَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِذَا أَرَادَ الْكِتَابَ كَتَبَ إِلَيْهِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِصَحِيفَةِ كَذَا وَكَذَا فَيَنْسَخُهَا وَيَبْعَثُ بِهَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَذْخَرَ أَنْوَاعَ الْعُلُومِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بِمَعْلُومٍ، وَأَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا، وَلَا يَعْتَقِدَ الْغِنَى عَنْهَا فَإِنَّهُ إِنِ اسْتَغْنَى عَنْهَا فِي حَالٍ احْتَاجَ إِلَيْهَا فِي حَالٍ وَإِنْ سَئِمَهَا فِي وَقْتٍ، ارْتَاحَ إِلَيْهَا فِي وَقْتٍ، وَإِنْ شُغِلَ عَنْهَا فِي يَوْمٍ فَرَغَ لَهَا فِي يَوْمٍ وَأَنْ لَا يُسْرِعَ وَيَعْجَلَ، فَيَنْدَمُ وَيَوْجَلُ , فَرُبَّمَا عَجِلَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ بِإِخْرَاجِ كِتَابٍ عَنْ يَدِهِ ثُمَّ رَامَهُ فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ مَرَامُهُ وَابْتَغَى إِلَيْهِ وُصُولًا، فَلَمْ يَجِدْ إِلَيْهِ سَبِيلًا، فَأَتْعَبَهُ ذَلِكَ وَأَنْصَبَهُ وَأَقْلَقَهُ طَوِيلًا وَأَرَّقَهُ كَالَّذِي حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ , قَالَ: بِعْتُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ كِتَابًا ظَنَنْتُ أَنِّي لَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ هَجَسَ فِي صَدْرِي شَيْءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ فَطَلَبْتُهُ فِي جَمِيعِ كُتُبِي فَلَمْ أَجِدْهُ فَاعْتَمَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ عَالِمًا عِنْدَ الصَّبَاحِ , فَمَا زِلْتُ قَائِمًا عَلَى رِجْلَيَّ إِلَى الصَّبَاحِ , قِيلَ: فَهَلَّا قَعَدْتَ؟ قَالَ: لِطُولِ أَرَقِي وَشِدَّةِ قَلَقِي. وَبَاعَ آخَرُ كِتَابًا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ثُمَّ إِنَّهُ احْتَاجَ إِلَيْهِ فَالْتَمَسَ نُسْخَةً بِهِ فَلَمْ يَجِدْهَا بِعَارِيَةٍ وَلَا ثَمَنٍ وَكَانَ الَّذِي ابْتَاعَهُ قَدْ خَرَجَ بِهِ إِلَى بَلَدِهِ , فَشَخَصَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ الْإِقَالَةَ وَارْتِجَاعِ الثَّمَنِ مِنْهُ , فَأَبَى عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ إِعَارَتَهُ لِنَسْخِ -[137]- الْكَلِمَةِ مِنْهُ , فَلَمْ يُجِبْهُ فَانْكَفَأَ قَافِلًا , وَآلَى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَبِيعَ كِتَابًا أَبَدًا , وَبَاعَ آخَرُ كِتَابًا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ثُمَّ إِنَّهُ احْتَاجَ إِلَى كَلِمَةٍ مِنْهُ فَقَصَدَ صَاحِبَهُ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُكْتِبَهُ تِلْكَ الْكَلِمَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَكْتُبُهَا إِلَّا بِثَمَنِ الْكِتَابِ كُلِّهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ ثَمَنَ الْكِتَابِ وَكَتَبَ تِلْكَ الْكَلِمَةَ , وَقِيلَ لِآخَرَ: أَلَا تَبِيعُ مِنْ كُتُبِكَ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَيْهَا؟ فَقَالَ: إِنْ لَمْ أَحْتَجْ إِلَيْهَا الْيَوْمَ احْتَجْتُ إِلَيْهَا بَعْدَ الْيَوْمِ , وَاشْتَرَى رَجُلٌ كِتَابًا فَقِيلَ لَهُ: اشْتَرَيْتَ مَا لَيْسَ مِنْ عِلْمِكَ , فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ مَا لَيْسَ مِنْ عِلْمِي لَيَصِيرَ مِنْ عِلْمِي , وَقِيلَ لِآخَرَ: أَلَا تَشْتَرِي كُتُبًا تَكُونُ عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّنِي لَا أَعْلَمُ , فَقِيلَ: إِنَّمَا يَشْتَرِيهَا مَنْ لَا يَعْلَمُ حَتَّى يَعْلَمَ , وَكَانَ آخَرُ يَشْتَرِي كُلَّ كِتَابٍ يَرَاهُ فَقِيلَ: لَهُ إِنَّكَ لَتَشْتَرِي مَا لَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ , فَقَالَ: رُبَّمَا احْتَجْتُ إِلَى مَا لَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ , وَمِمَّا يُعْزَى إِلَى السَّرِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْكِنْدِيِّ (مِنَ الْكَامِلِ) :
[البحر الكامل]
لَا تُخْدَعَنَّ عَنِ الْعُلُومِ فَإِنَّهَا ... سَرْجٌ يَزِيدُ عَلَى الزَّمَانِ ضِيَاؤُهَا
تُنْسَى الْقُرُونَ فَلَا يُشِيدُ بِذِكْرِهَا ... أَحَدٌ وَيُذْكَرُ دَائِبًا عُلَمَاؤُهَا
فَاحْرِصْ عَلَى جَمْعِ الْعُلُومِ فَإِنَّهَا ... رِيُّ الْقُلُوبِ مِنَ الصَّدَى وَشِفَاؤُهَا
وَكَانَ بَعْضُ الْقُضَاةِ يَشْتَرِي الْكُتُبَ بِالدَّيْنِ وَالْقَرْضِ , فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ: أَفَلَا أَشْتَرِي شَيْئًا بَلَغَ بِي هَذَا الْمَبْلَغَ؟ قِيلَ: فَإِنَّكَ تُكْثِرُ , فَقَالَ: عَلَى قَدْرِ الصِّنَاعَةِ تَكُونُ الْآلَةُ , وَاحْتَاجَ بَعْضُ النَّجَّارِينَ إِلَى بَيْعِ فَأْسِهِ وَمِنْشَارِهِ , فَبَاعَهُمَا وَحَزِنَ عَلَيْهِمَا، وَنَدِمَ عَلَى بَيْعِهِمَا , إِلَى أَنْ رَأَى جَارًا لَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي سُوقِ الْوَرَّاقِينَ وَهُوَ يَبِيعُ كُتُبَهُ , فَقَالَ: إِذَا بَاعَ الْعَالِمُ آلَتَهُ فَالصَّانِعُ أَعْذَرُ مِنْهُ , وَسَلَا بِذَلِكَ
الصفحة 136
201