كتاب تقييد العلم للخطيب البغدادي

§مَنْ سَلَكَ فِي إِعَارَةِ الْكِتَابِ طَرِيقَ الْبُخْلِ وَضَنَّ بِهِ عَمَّنْ لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ قَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: الْبُخْلُ بِالْعِلْمِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ قَضَاءٌ لَحَقِهِ وَمَعْرِفَةٌ بِفَضْلِهِ , وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ عِلْمًا , أَوْ يَسْتَعِيرُ مِنْهُ كِتَابًا امْتَحَنَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ أَهْلًا لَهُ أَعَارَهُ وَإِلَّا مَنَعَهُ , وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعِيرَهُ وَعْدَهُ وَرَدَّدَهُ , فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَضْجَرْ أَعَارَهُ , وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ كُفِيَ أَمَرَهُ وَعَلِمَ أَنَّهَا خَطْرَةٌ بِقَلْبِهِ خَطَرَتْ , وَشَهْوَةٌ كَاذِبَةٌ عَرَضَتْ , وَكَانَ يَقُولُ: لَا تُعِرْ كِتَابَ عِلْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَاعْتِبَارُكَ ذَلِكَ بِأَنْ تَسْتَقْرِيهِ الْكِتَابَ الَّذِي طَلَبَهُ , فَإِنْ قَرَأَهُ قِرَاءَةً صَحِيحَةً فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ , وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قِرَاءَتَهُ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ , فَلَا تُعِرْهُ , وَكَانَ يَقُولُ: مِنْ حَقِّ الْعِلْمِ إِعْزَازُهُ , وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تُعِرْ كِتَابًا إِلَّا بَعْدَ يَقِينٍ بِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ ذُو عِلْمٍ وَدِينٍ , وَفِي مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ تَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ غَيْرِ أَهْلِهِ
مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَصْرِيُّ، بِمَكَّةَ وَبِبَغْدَادَ , أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْعِجْلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الْعَيْزَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ , صلّى الله -[147]- عليه وسلم: §«لَا تَطْرَحُوا الدُّرَّ فِي أَفْوَاهِ الْكِلَابِ» قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ: أَظُنُّهُ يَعْنِي الْعِلْمَ

الصفحة 146