كتاب تقييد العلم للخطيب البغدادي
وَقِيلَ: مَنْ أَعَارَ كِتَابَ عِلْمٍ غَيْرَ أَهْلِ الْعِلْمِ , فَقَدْ جَهَلَ حَقَّ الْعِلْمِ وَأَضَاعَهُ , وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْتُبُ عَلَى ظُهُورِ كُتُبِهِ الَّتِي يُعِيرُهَا: يَا رَبِّ مَنْ حَفِظَ كِتَابِي فَاحْفَظْهُ وَمَنْ أَضَاعَهُ فَلَا تَحْفَظْهُ , وَكَتَبَ آخَرُ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَضَاعَ كِتَابَ عِلْمٍ , وَكَتَبَ آخَرُ: الْكِتَابُ أَمَانَةٌ وَهُوَ حَقِيقٌ بِالصِّيَانَةِ , وَكَتَبَ آخَرُ: أَكْرَمَ اللَّهُ مَنْ أَكْرَمَكَ وَرَدَّكَ كَمَا تَسَلَّمَكَ , وَكَتَبَ آخَرُ: كِتَابِي أَعَزُّ شَيْءٍ عَلَيَّ وَإحْسَانُكَ إِلَيْهِ إِحْسَانُكَ إِلَيَّ
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَيْوَيْهِ الْخَزَّازُ، قَالَ: أَنْشَدَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ، قَالَ: أُنْشِدْتُ مِنَ الْخَفِيفِ:
[البحر الخفيف]
§أَيُّهَا الْمُسْتَعِيرُ مِنِّي كِتَابًا ... إِنْ رَدَدْتَ الْكِتَابَ كَانَ صَوَابَا
أَنْتَ وَاللَّهِ إنْ رَدَدْتَ كِتَابًا ... كُنْتَ أُعْطِيتَهُ أَخَذْتَ كِتَابَا
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ أَحْمَدِ بْنِ عَلِيٍّ التَّوَّزِيِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ التَّوَّزِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ يَسْتَعِيرُ مِنْهُ كِتَابًا , فَأَعَارَهُ وَقَالَ لَهُ: §لَا تَكُنْ فِي حَبْسِكَ لَهُ كَصَاحِبِ الْقِرْبَةِ , قَالَ: لَا , وَلَا تَكُنْ أَنْتَ فِي ارْتِجَاعِكَ لَهُ كَصَاحِبِ الْمِصْبَاحِ , قَالَ: لَا وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ هَذَيْنِ أَنَّ رَجُلًا اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ قِرْبَةً عَلَى أَنْ يَسْتَقِيَ فِيهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَرُدُّهَا , فَاسْتَسْقَى فِيهَا سَنَةً ثُمَّ رَدَّهَا إِلَيْهِ مُتَخَرِّقَةً , وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّ رَجُلًا ضَافَهُ ضَيْفٌ مِنَ النَّهَارِ , فَاسْتَعَارَ مِنْ جَارٍ لَهُ مِصْبَاحًا لِيُسْرِجَهُ لِضَيفِهِ فِي اللَّيْلِ , فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ أَتَاهُ وَطَالَبَهُ بِرَدِّهِ , فَقَالَ لَهُ: أَعَرْتَنِي مِصْبَاحًا لِلَيلٍ أَوْ لِلنَّهَارِ؟ قَالَ: لِلَيلٍ , قَالَ: فَمَا دَخَلَ اللَّيْلُ , قَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ: وَأَعَارَ رَجُلٌ رَجُلًا كِتَابًا وَقَالَ لَهُ: لَا تَكُنْ كَصَاحِبِ السُّلَّمِ , قَالَ: وَمَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ يَسْتَعِيرُ مِنْهُ سُلَّمًا , فَقَالَ لَهُ: مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ , قَالَ: , سُبْحَانَ اللَّهِ , وَهَلْ أُكَلِّفُكَ حَمْلَهُ؟ أَنَا أَحْمِلُهُ , قَالَ: صَدَقْتَ أَنْتَ تَحْمِلُهُ وَلَا تَرُدُّهُ , فَأَحْتَاجُ إِلَى أَنْ أَجِيءَ وَأَحْمِلَهُ , قَالَ: وَسَأَلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُعِيرَهُ كِتَابًا , فَأَبَى عَلَيْهِ , فَقَالَ: خُذْ مِنِّي رَهْنًا , فَقَالَ: مَنْ وَجَبَ أَنْ يُسْتَرْهَنَ عَلَى عِلْمٍ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يُعَارَ ,
الصفحة 148
201