كتاب الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (اسم الجزء: 2)

لَمْ أَكْذِبْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَذَبْتُ لَهُ.
وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَعْرُوفِ بِالْأُرْدُنِّيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الْكَلَامُ حَسَنًا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ أَجْعَلَ لَهُ إِسْنَادًا. فَلِذَلِكَ كَانَ يُحَدِّثُ بِالْمَوْضُوعَاتِ، وَقَدْ قُتِلَ فِي الزَّنْدَقَةِ وَصُلِبَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ لِهَذَا الْقِسْمِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي: فَإِنَّ قَوْمًا أَغْفَلُوهُ أَيْضًا وَلَمْ يُمْعِنُوا النَّظَرَ حَتَّى اخْتَلَفَ عَلَيْهِمُ الْفَهْمُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَأَحَالُوا بِالِاخْتِلَافِ عَلَيْهَا تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالنَّظَرِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَالِ الْخَوَارِجِ حَيْثُ قَالَ: «يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ» فَوَصَفَهُمْ بِعَدَمِ الْفَهْمِ لِلْقُرْآنِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ خَرَجُوا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، إِذْ قَالُوا: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، وَقَدْ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، حَتَّى بَيَّنَ لَهُمْ حَبْرُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] عَلَى وَجْهٍ أَذْعَنَ بِسَبَبِهِ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، أَوْ مَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ إِلَى الْحَقِّ، وَتَمَادَى الْبَاقُونَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، اعْتِقَادًا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: لَا تُنَاظِرُوهُ وَلَا تُخَاصِمُوهُ فَإِنَّهُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58].
فَتَأَمَّلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ كَيْفَ كَانَ فَهْمُهُمْ فِي الْقُرْآنِ. ثُمَّ لَمْ يَزَلْ هَذَا الْإِشْكَالُ يَعْتَرِي أَقْوَامًا حَتَّى اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِمُ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ، وَتَدَافَعَتْ عَلَى أَفْهَامِهِمْ فَجَعْجَعُوا بِهِ قَبْلَ إِمْعَانِ النَّظَرِ. عَشَرَةُ أَمْثِلَةٍ لِمَنِ اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِمُ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فَظَنُّوا أَنَّ فِي الشَّرِيعَةِ تَنَاقُضًا أَحَدُهَا تَنَاقُضُ آيَةِ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَعَ آيَةِ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ

الصفحة 823