كتاب الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (اسم الجزء: 2)

وَالثَّانِي: مَسْأَلَةُ الْمِيزَانِ، إِذْ يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ مِيزَانًا صَحِيحًا عَلَى مَا يَلِيقُ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتُوزَنُ فِيهِ الْأَعْمَالُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ عَادِيٍّ، نَعَمْ يُقِرُّ الْعَقْلُ بِأَنَّ أَنْفُسَ الْأَعْرَاضِ - وَهِيَ الْأَعْمَالُ - لَا تُوزَنُ وَزْنَ الْمَوْزُونَاتِ عِنْدَنَا فِي الْعَادَاتِ - وَهِيَ الْأَجْسَامُ، وَلَمْ يَأْتِ فِي النَّقْلِ مَا يُعَيِّنَ أَنَّهُ كَمِيزَانِنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَوْ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الثِّقْلِ أَوْ أَنْفُسُ الْأَعْمَالِ تُوزَنُ بِعَيْنِهَا. فَالْأَخْلَقُ الْحَمْلُ إِمَّا عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إِذْ لَمْ يَثْبُتُ عَنْهُمْ إِلَّا مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ نَفْسِ الْمِيزَانِ أَوْ كَيْفِيَّةِ الْوَزْنِ. كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمْ فِي الصِّرَاطِ إِلَّا مَا ثَبَتَ عَنْهُمْ فِي الْمِيزَانِ. فَعَلَيْكَ بِهِ فَهُوَ مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
فَإِنْ قِيلَ: فَالتَّأْوِيلُ إِذًا خَارِجٌ عَنْ طَرِيقَتِهِمْ، فَأَصْحَابُ التَّأْوِيلِ عَلَى هَذَا مِنَ الْفِرَقِ الْخَارِجَةِ.
قِيلَ: لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ: التَّسْلِيمُ مَحْضًا، أَوْ مَعَ التَّأْوِيلِ نَظَرٌ لَا يَبْعُدُ: إِذْ قَدْ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، بِخِلَافِ مَنْ جَعَلَ أَصْلَهُ فِي تِلْكَ الْأُمُورِ التَّكْذِيبَ بِهَا؛ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُمْ. سَلَكَ فِي الْأَحَادِيثِ مَسْلَكَ التَّأْوِيلِ أَوَّلًا، فَالتَّأْوِيلُ أَوْ عَدَمُهُ لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ أَسْلَمُ.
وَالثَّالِثُ: مَسْأَلَةُ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَهِيَ أَسْهَلُ. وَلَا بُعْدَ وَلَا نَكِيرَ فِي كَوْنِ الْمَيِّتِ يُعَذَّبُ بِرَدِّ الرُّوحِ إِلَيْهِ عَارِيَةً. ثُمَّ تَعْذِيبُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ الْبَشَرُ

الصفحة 842