كتاب الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (اسم الجزء: 2)

عَلَى رُؤْيَتِهِ كَذَلِكَ وَلَا سَمَاعِهِ، فَنَحْنُ نَرَى الْمَيِّتَ يُعَالِجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَيُخْبِرُ بِآلَامٍ لَا مَزِيدَ عَلَيْهَا. وَلَا نَرَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَثَرًا. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْأَمْرَاضِ الْمُؤْلِمَةِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِثْلُهَا. فَلِمَاذَا يُجْعَلُ اسْتِبْعَادُ الْعَقْلِ صَادًّا فِي وَجْهِ التَّصْدِيقِ بِأَقْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وَالرَّابِعُ: مَسْأَلَةُ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ لِلْمَيِّتِ وَإِقْعَادِهِ فِي قَبْرِهِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُشْكِلُ إِذَا حَكَّمْنَا الْمُعْتَادَ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَحْكِيمَهُ بِإِطْلَاقٍ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقُصُورِهِ، وَإِمْكَانِ خَرْقِ الْعَوَائِدِ، إِمَّا بِفَتْحِ الْقَبْرِ حَتَّى يُمْكِنَ إِقْعَادُهُ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تُحِيطُ بِمَعْرِفَتِهَا الْعُقُولُ.
وَالْخَامِسُ: مَسْأَلَةُ تَطَايُرِ الصُّحُفِ وَقِرَاءَةِ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ قَطُّ، وَقِرَاءَتِهِ إِيَّاهُ وَهُوَ خَلْفَ ظَهْرِهِ، كُلُّ ذَلِكَ يُمْكِنُ فِيهِ خَرْقُ الْعَوَائِدِ، فَيَتَصَوَّرُهُ الْعَقْلُ عَلَى وَجْهٍ مِنْهَا.
وَالسَّادِسُ: مَسْأَلَةُ إِنْطَاقِ الْجَوَارِحِ شَاهِدَةً عَلَى صَاحِبِهَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَحْجَارِ وَالْأَشْجَارِ الَّتِي شَهِدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ.
وَالسَّابِعُ: رُؤْيَةُ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ جَائِزَةٌ، إِذْ لَا دَلِيلَ فِي الْعَقْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا رُؤْيَةَ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ عِنْدَنَا، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ تَصِحَّ الرُّؤْيَةُ عَلَى أَوْجُهٍ صَحِيحَةٍ لَيْسَ فِيهَا اتِّصَالُ أَشِعَّةٍ وَلَا مُقَابَلَةٌ وَلَا تَصَوُّرُ جِهَةٍ وَلَا فَضْلُ جِسْمٍ شَفَّافٍ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْعَقْلُ لَا يَجْزِمُ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ بَدِيهَةً، وَهُوَ إِلَى الْقُصُورِ فِي النَّظَرِ أَمْيَلُ، وَالشَّرْعُ قَدْ جَاءَ بِإِثْبَاتِهَا فَلَا مَعْدِلَ عَنِ التَّصْدِيقِ.
وَالثَّامِنُ: كَلَامُ الْبَارِي تَعَالَى إِنَّمَا نَفَاهُ مَنْ نَفَاهُ وُقُوفًا مَعَ الْكَلَامِ

الصفحة 843