كتاب الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (اسم الجزء: 2)

الْقَوْلُ فِي الشَّرْعِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالظُّنُونِ، وَالِاشْتِغَالِ بِحِفْظِ الْمُعْضِلَاتِ، وَرَدِّ الْفُرُوعِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ دُونِ رَدِّهَا إِلَى أُصُولِهَا، فَاسْتُعْمِلَ فِيهَا الرَّأْيُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ، قَالُوا: وَفِي الِاشْتِغَالِ بِهَذَا تَعْطِيلُ السُّنَنِ وَالتَّذَرُّعُ إِلَى جَهْلِهَا.
وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ خَارِجٍ عَمَّا تَقَدَّمَ. وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِلذَّرِيعَةِ إِلَى الرَّأْيِ الْمَذْمُومِ. وَهُوَ مُعَارَضَةُ الْمَنْصُوصِ. لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَبْحَثْ عَنِ السُّنَنِ جَهِلَهَا فَاحْتَاجَ إِلَى الرَّأْيِ. فَلَحِقَ بِالْأَوَّلِينَ الَّذِينَ عَارَضُوا السُّنَنَ حَقِيقَةً. فَجَمِيعُ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ. وَهُوَ إِعْمَالُ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ مَعَ طَرْحِ السُّنَنِ. إِمَّا قَصْدًا أَوْ غَلَطًا وَجَهْلًا، وَالرَّأْيُ إِذَا عَارَضَ السُّنَّةَ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ.
فَالْحَاصِلُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ يُعَارِضُوا مَا جَاءَ فِي السُّنَنِ بِآرَائِهِمْ، عَلِمُوا مَعْنَاهُ أَوْ جَهِلُوهُ، جَرَى لَهُمْ عَلَى مَعْهُودِهِمْ أَوْ لَا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ نَقْلِهِ، وَلْيَعْتَبِرْ فِيهِ مَنْ قَدَّمَ النَّاقِصَ - وَهُوَ الْعَقْلُ - عَلَى الْكَامِلِ - وَهُوَ الشَّرْعُ - وَرَحِمَ اللَّهُ الرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْمٍ حَيْثُ يَقُولُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! مَا عَلَّمَكَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ عِلْمٍ فَاحْمَدِ اللَّهَ، وَمَا اسْتَأْثَرَ عَلَيْكَ بِهِ مِنْ عِلْمٍ فَكِلْهُ إِلَى عَالِمِهِ، لَا تَتَكَلَّفْ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86].
وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،

الصفحة 850