كتاب الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (اسم الجزء: 2)

مُفْتٍ وَلَا نَظَرِ عَالِمٍ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْكَلَامِ ثَبَتَتْ وِلَايَتُهُ، فَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ أَوْ يَقُولُهُ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فَهُوَ أَيْضًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَالْفِقْهُ لِلْعُمُومِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْخُصُوصِ!
فَتَرَاهُمْ يُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِتِلْكَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَلَا يُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَيْنُ اتِّبَاعِ الرِّجَالِ وَتَرْكِ الْحَقِّ، مَعَ أَنَّ أُولَئِكَ الْمُتَصَوِّفَةَ الَّذِينَ يُنْقَلُ عَنْهُمْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ كَانَ فِي النِّهَايَةِ دُونَ الْبِدَايَةِ، وَلَا عُلِمَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِصِحَّةِ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ أَمْ لَا، وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَئِمَّةِ التَّصَوُّفِ وَغَيْرِهِمْ مَنْ زَلَّ زَلَّةً يَجِبُ سَتْرُهَا عَلَيْهِ، فَيَنْقُلُهَا عَنْهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ حَالَهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَأَدَّبْ بِطَرِيقِ الْقَوْمِ كُلَّ التَّأَدُّبِ.
وَقَدْ حَذَّرَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ، وَجَعَلُوهَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَهْدِمُ الدِّينَ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَتْ فَتَطِيرُ فِي النَّاسِ كُلَّ مَطَارٍ، فَيَعُدُّونَهَا دِينًا، وَهِيَ ضِدُّ الدِّينِ، فَتَكُونُ الزَّلَّةُ حُجَّةً فِي الدِّينِ.
فَكَذَلِكَ أَهْلُ التَّصَوُّفِ لَابُدَّ فِي الِاقْتِدَاءِ بِالصُّوفِيِّ مِنْ عَرْضِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَى حَاكِمٍ يَحْكُمُ عَلَيْهَا: هَلْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُتَّخَذُ دِينًا أَمْ لَا؟ وَالْحَاكِمُ هُوَ الشَّرْعُ وَأَقْوَالُ الْعَالِمِ تُعْرَضُ عَلَى الشَّرْعِ أَيْضًا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ فِي الصُّوفِيِّ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْفِقْهِ، كَالْجُنَيْدِ وَغَيْرِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ النَّابِتَةَ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، فَصَارُوا مُتَّبِعِينَ الرِّجَالَ مِنْ حَيْثُ هُمْ رِجَالٌ لَا مِنْ حَيْثُ هُمْ رَاجِحُونَ بِالْحَاكِمِ الْحَقِّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَمَا عَلَيْهِ الْمُتَصَوِّفَةُ أَيْضًا، إِذْ قَالَ إِمَامُهُمْ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ: مَذْهَبُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ أُصُولٍ: الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي

الصفحة 866