كتاب الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (اسم الجزء: 2)

الْمُقْرِئُ إِلَى الْحَقِّ. انْتَهَتِ الْحِكَايَةُ. وَيَا لَيْتَ مَسْأَلَتَنَا مِثْلُ هَذِهِ. وَلَكِنَّهُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ أَبَوُا الِانْقِيَادَ إِلَى الصَّوَابِ.
وَالسَّابِعُ: رَأْيُ نَابِتَةٍ أَيْضًا يَرَوْنَ أَنَّ عَمَلَ الْجُمْهُورِ الْيَوْمَ - مِنِ الْتِزَامِ الدُّعَاءِ بِهَيْئَةِ الْاجْتِمَاعِ بِإِثْرِ الصَّلَوَاتِ، وَالْتِزَامِ الْمُؤَذِّنِينَ التَّثْوِيبَ بَعْدَ الْآذَانِ - صَحِيحٌ بِإِطْلَاقٍ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِمُخَالَفَةِ الشَّرِيعَةِ أَوْ مُوَافَقَتِهَا، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُمْ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ اجْتِهَادِيٍّ أَوْ تَقْلِيدِيٍّ خَارِجٌ عَنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أُمُورٍ تَخَبَّطُوا فِيهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مُعْتَبَرٍ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إِلَى أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ الْمَعْمُولَ بِهِ فِي الْجُمْهُورِ ثَابِتٌ عَنْ فُضَلَاءَ وَصَالِحِينَ عُلَمَاءَ.
فَلَوْ كَانَ خَطَأً لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ.
وَهَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ الْيَوْمَ، تُتَّهَمُ الْأَدِلَّةُ وَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَيُحْسَنُ الظَّنُّ بِمَنْ تَأَخَّرَ، وَرُبَّمَا نُوزِعَ بِأَقْوَالِ مَنْ تَقَدَّمَ، فَيَرْمِيهَا الرَّامِي بِالظُّنُونِ وَاحْتِمَالِ الْخَطَإِ، وَلَا يَرْمِي بِذَلِكَ الْمُتَأَخِّرِينَ، الَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا سُئِلَ عَنْ أَصْلِ هَذَا الْعَمَلِ الْمُتَأَخِّرِ: هَلْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ؟ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ أَوْ يَأْتِي بِأَدِلَّةٍ مُحْتَمَلَةٍ لَا عِلْمَ لَهُ بِتَفْصِيلِهَا، كَقَوْلِهِ هَذَا خَيْرٌ أَوْ حَسَنٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18] أَوْ يَقُولُ: هَذَا بَرٌّ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] فَإِذَا سُئِلَ عَنْ أَصْلِ كَوْنِهِ خَيْرًا أَوْ بِرًّا وَقَفَ، وَمَيْلُهُ إِلَى أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بِعَقْلِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ وَبِرٌّ، فَجَعَلَ التَّحْسِينَ عَقْلِيًّا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الزَّيْغِ، وَثَابِتٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ مِنِ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَاتِ.

الصفحة 869