كتاب الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (اسم الجزء: 2)

يَدْرِ، مَشْغُوفٌ بِمَا لَا يَدْرِي حَقِيقَتَهُ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنْ فُتِنَ بِهِ، وَإِنَّ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَنْ عَرَفَ اللَّهُ دِينَهُ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَنْ لَا يَعْرِفَ دِينَهُ.
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالِاسْتِنَانَ بِالرِّجَالِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَنْقَلِبُ لِعِلْمِ اللَّهِ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَنْقَلِبُ لِعِلْمِ اللَّهِ، فَيَمُوتُ وَهُوَ مَنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يَنْقَلِبُ لِعِلْمِ اللَّهِ فِيهِ فَيَعَمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَنْقَلِبُ لِعِلْمِ اللَّهِ، فَيَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَبِالْأَمْوَاتِ لَا بِالْأَحْيَاءِ. وَأَشَارَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ يُعْدَمُ فِيهِ الْمُجْتَهِدُونَ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَلَا لَا يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلًا، إِنْ آمَنَ آمَنَ، وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فَإِنَّهُ لَا أُسْوَةَ فِي الشَّرِّ. وَهَذَا الْكَلَامُ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَيَّنَ مُرَادَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ كَلَامِ السَّلَفِ، وَهُوَ النَّهْيُ عَنِ اتِّبَاعِ السَّلَفِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ قَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ. قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ. قَالَ: هُمَا الْمَرْءَانِ أَهْتَدِي بِهِمَا. يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

الصفحة 876