قول القائل: إن القرآن حرف وصوت قائم به بدعة، وقوله: إنه معنى قائم بذاته] (¬1) بدعة لم يقل أحد من السلف لا هذا ولا هذا، وأنا (¬2) ليس في كلامي شيء من البدع، بل في كلامي ما أجمع عليه السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق (¬3).
وأما قول القائل: إنه لا يشار إليه بالأصابع إشارة حسية، فليس هذا اللفظ في كلامي [بل في كلامي] (¬4) إنكار ما ابتدعه المبتدعون من الألفاظ النافية، مثل قولهم: إنه لا يشار إليه، فإن هذا النفي -أيضًا- بدعة.
فإن أراد القائل أنه لا يشار إليه أنه ليس محصورًا في المخلوقات، أو غير ذلك من المعاني الصحيحة , فإذا حق، وإن أراد أن من دعا الله لا يرفع إليه يديه، فهذا خلاف ما تواترت به السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فطر الله عليه عباده من رفع الأيدي إلى الله في الدعاء، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما إليه صفرًا" (¬5)، وإذا سمى المسمي ذلك إشارة حسية، وقال: إنه
¬__________
(¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ومجموع الفتاوى 5/ 265.
(¬2) في س: "وإذ".
(¬3) الكلام على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، تحدثنا عنه عند موضوع: "دراسة مسائل الكتاب"، وقد أوضحنا رأي شيخ الإِسلام -رحمه الله- في هذه المسألة.
وهو -رحمه الله- في هذه الرسالة - فصل في هذه المسألة وبينها غاية البيان مستمدًا هذا التفصيل والبيان من نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم.
(¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ومجموع الفتاوى 5/ 265.
(¬5) رواه أبو داود في سننه عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - مع اختلاف يسير في اللفظ 2/ 165 - كتاب الصلاة- باب الدعاء- حديث رقم 1488.
ورواه الترمذي عن سلمان -أيضًا- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين"، وقال هذا حديث حسن غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه.