كتاب التسعينية (اسم الجزء: 2)

والمعتزلة طردوا هذا الأصل الفاسد لهم في مسائل الصفات والقدر، فجعلوه موصوفًا بمفعولاته القائمة بغيره، حتى قالوا: من فعل الظلم فهو ظالم، ومن فعل السفه فهو سفيه، ومن فعل الكذب فهو كاذب، ونحو ذلك، فكل هذا باطل، بل الموصوف بهذه الأسماء من قامت به هذه الأفعال، لا من جعلها دعلًا لغيره أو قائمة بغيره.
والأشعرية عجزوا عن مناظرتهم في هذا المقام، في مسألة القرآن، ومسائل القدر، بكونهم سلموا لهم أن الرب لا تقوم به صفة فعلية، فلا يقوم به عدل ولا إحسان ولا تأثير أصلًا (¬1)، لزمهم أن يقولوا: هو موصوف بمفعولاته، فلا يجب أن يكون القرآن قائمًا به، ويكون مسمى بأسماء القبائح التي خلقها.
لكن أبو محمد بن كلّاب يقول (¬2): لم يزل كريمًا جوادًا، فهذا قد
¬__________
= وإذا كان كذلك فكل من قال بذلك قال: إنه معنى واحد قديم قائم بذات الله تعالى فلو لم يقل بذلك لكان خلاف الإجماع فهذا هو العمدة التي اعتمد عليها في كتابه "نهاية العقول في دراية الأصول -مخطوط- اللوحة: 131.
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- بعد ذكره لما تقدم: "وهو ضعيف، فإن الأقوال في المسألة متعددة غير قول المعتزلة والكلابية".
راجع: درء تعارض العقل والنقل 2/ 324. وانظر: جامع الرسائل -لابن تيمية- 2/ 9.
(¬1) فهم يفرقون بين صفات الذات وصفات الأفعال، فعندهم أن قوله: إني خالق رازق عادل محسن، صفات ذات وهي غير صفات الأفعال المحدثة كالخلق والرزق والعدل والإحسان لأنها قد كانت موجودة مع عدمها، فوجب أن يدل ذلك على تغايرها لأنفسها.
انظر: التمهيد -لأبي بكر بن الباقلاني- ص: 215.
(¬2) ذكر الأشعري في "المقالات 1/ 257، 260 ": "أن عبد الله بن كلاب قال: إن الوصف لله بأنه كريم ليس من صفات الفعل وإن الله لم يزل جوادًا، وأثبت الجود صفة لله، لا هي هو، ولا هي غيره.

الصفحة 490