وقال الحسن البصري (¬1): "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقه العمل" (¬2).
وقال الحسن -أيضًا-: "ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر، وبالتفكر على التذكر (¬3)، ويناطقون القلوب حتَّى نطقت، فإذا لها أسماع وأبصار فنطقت بالحكمة، وأورثت العلم" (¬4).
الوجه الثالث والعشرون:
أن يقال: لاريب أن النفس الَّذي هو القلب يوصف بالنطق والقول، كما يوصف بذلك اللسان، وإن كان القول والنطق عند الإطلاق يتناول مجموع الأمرين، ولهذا كان من جعل النطق والقول هولما في اللسان فقط بمنزلة من جعله (¬5) لما في القلب فقط، ومن جعل اللفظ مشتركا بينهما فقد جمع البعيدين، بل أثبت النقيضين، فإنه يجعل اللفظ الشامل لهما مانعًا من كل منهما، فإنه إذا قال: أريد به هذا وحده، أو هذا وحده، مع أن اللفظ أريد به كلاهما كان نافيًا لكل منهما في حال
¬__________
= 10/ 256 بلفظ: ". . . فالتوكل عمل القلب، والتوحيد قول العبد، فإذا عرف القلب التوحيد وفعل ما عرف فقد تم. . . ".
(¬1) هو: أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، من التابعين، إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمانه، وثقه العجلي وغيره، وقال عنه الذهبي: كان ثقة في نفسه حجة رأسًا في العلم والعمل عظيم القدر. . " توفي سنة 110 هـ.
انظر: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 2/ 69 - 73. وميزان الاعتدال -للذهبي- 1/ 527. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 2/ 263 - 270.
(¬2) راجع قول الحسن في: "الشريعة" للآجري - ص: 130 ز وكتاب "الزهد" للإمام أحمد بن حنبل - ص: 263. مع اختلاف يسير في اللفظ.
(¬3) في س: وبالتذكر على التفكر.
(¬4) لم أقف عليه.
(¬5) من هنا يبدأ التمزق في الأصل في نصف صفحة تقريبًا، وأشرنا إلى نظيره في ص: 670 وسوف أشير إلى نهايته.