فلما كان من الغد دعاهم وهم مقيدون، فامتحنهم، فأجاب سجادة والقواريري، فأطلقهما، وأصر الإمام أحمد، ومحمد بن نوح على قولهما، فشدا بالحديد ووجها إلى طرسوس (¬1)، وكتب كتابًا بإرسالهما إليه (¬2).
يقول الإمام أحمد -رحمه الله: "وكنت أدعو الله ألّا يريني وجهه -يعني المأمون- وذلك أنه بلغني أنه كان يقول: لئن وقعت عيني على أحمد لأقطعنه إربًا إربًا" (¬3).
فاستجاب الله دعاءه ومات المأمون وهما في طريقهما إليه سنة 218 هـ فأما محمد بن نوح فمات في الطريق، وصلى عليه الإمام أحمد ودفنه (¬4).
وأما الإمام أحمد فرد مقيدًا إلى بغداد -بعد خبر وفاة المأمون وتولي المعتصم- (¬5) في سفينة مع بعض الأسرى، وكان في أمر عظيم من الأذى، ثم أودع السجن نحوًا من ثمانية وعشرين شهرًا، وقيل: نيفًا وثلاثين شهرًا، ثم أخرج للضرب بين يدي المعتصم، وكان ذلك بعد مناظرات مع المعتزلة (¬6)
¬__________
= أن يكون الله قد ختم له بخير. قال لي ذات يوم وأنا معه خلوين: يا أبا عبد الله: الله الله إنك لست مثلي. أنت رجل يقتدى بك، وقد مد هذا الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك، فاتق الله، واثبت لأمر الله". قال أبو عبد الله: "فعجبت من تقويته لي وموعظته إياي. . . ".
انظر: تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي- 3/ 322، 323.
ومحنة الإمام أحمد بن حنبل -لابن إسحاق- ص: 39.
(¬1) طرسوس مدينة بالشام وهي الآن مرفأ على الساحل السوري، وفيها دفن المأمون.
انظر الروض المعطار في خبر الأقطار -للحميري- ص: 388.
(¬2) انظر: الكامل -لابن الأثير- 6/ 427.
وسيرة الإمام أحمد -لابنه صالح- ص: 49، 50.
(¬3) انظر: محنة الإمام أحمد بن حنبل -لابن إسحاق- ص: 39.
(¬4) في "عانة" وهي بلد مشهور بين الرقة وهيت على نهر الفرات.
(¬5) ترجمته في قسم التحقيق من هذا الكتاب.
(¬6) انظر تفصيل هذه المناظرات، وما دار فيها، وما حصل للإمام أحمد بعدها من الضرب وأصناف التعذيب في:
سيرة الإمام أحمد -لابن صالح- ص: 55 - 66.
ومحنة الإمام أحمد -لحنبل بن إسحاق- ص: 43 - 61. =