كتاب التسعينية (اسم الجزء: 3)

اللسان، ووجود في البنان، فالأعيان لها المرتبة (¬1) الأولى، ثم يعلم بالقلوب، ثم يعبر [عنها] (¬2) باللفظ، ثم يكتب اللفظ. وأما الكلام فله المرتبة الثالثة وهو الذي يكتب في المصحف، فأين قول القائل: إن الكلام في الكتاب من قوله: إن المتكلم في الكتاب، وبينهما من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق (¬3)، ثم إن منكم من احتج بقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (¬4)، وجعل المراد بذلك العبارة، وهذا مع أنه متناقض فهو أفسد من قول المعتزلة، فإنه إن كان أضيف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه أحدث حروفه، فقد أضافه في موضع إلى رسول هو جبرئيل، وفي موضع إلى رسول هو محمد، قال في موضع: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} (¬5)، وقال في موضع: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} (¬6).
ومعلوم أن عبارتها إن (¬7) أحدثها جبريل لم يكن محمد أحدثها [وإن أحدثها محمد لم يكن جبريل أحدثها] (¬8)، فبطل قولكم، وعلم أنه إنما أضافه إلى الرسول لكونه بلغه وأداه، لا أنه أحدثه وابتدأه، ولهذا قال: {لَقَوْلُ رَسُولٍ} ولم يقل: لقول ملك ولا نبي، فذكر اسم الرسول المشعر بأنه بلغ (¬9) عن غيره، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ
¬__________
(¬1) في الأصل: مرتبة. والمثبت من: س، ط، ولعله المناسب.
(¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س. وفي ط: عنه.
(¬3) الفرق: هو مفرق شعر الرأس. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 10/ 301 (فرق).
(¬4) سورة الحاقة، الآية: 4. وسورة التكوير، الآية: 19.
(¬5) سورة التكوير، الآية: 19.
(¬6) سورة الحاقة، الآية: 40.
(¬7) إن: ساقطة من: س.
(¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(¬9) في س، ط: مبلغ.

الصفحة 971