كتاب بيان إعجاز القرآن

وصفناه صحيح لا ينكره إلا جاهل أو معاند , وليس الأمر في معاني هذه الآي على ما تأولوه ولا المراد في أكثرها على ما ظنوه وتوهموه.
فأما قوله تعالى: {فأكله الذئب} فإن الافتراس معناه في فعل السبع القتل فحسب , وأصل الفرس دق العنق , والقوم إنما ادعوا على الذئب أنه أكله أكلاً وأتى على جميع أجزائه وأعضائه , فلم يترك مفصلًا ولا عظماً , وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم إياه بأثر باق منه يشهد بصحة ما ذكروه , فادعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة , والفرس لا يعطي تمام هذا المعنى , لم يصح على هذا أن يعبر عنه إلا بالأكل؛ على أن لفظ الأكل شائع الاستعمال في الذئب وغيره من السباع. وحكى ابن السكيت في ألفاظ العرب قولهم: أكل الذئب الشاة فما ترك منها تامورا , وقال بعض شعرائهم:
فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوما دما فهو آكله
وقال آخر:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضَّبع
وفي حديث عتبة بن أبي لهب أنه لما دعا عليه السلام: فقال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك , فخرج في تجر إلى الشام , فنزل في بعض المنازل ,

الصفحة 41