كتاب بيان إعجاز القرآن

كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون} يريد أن كراهتهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم في الخروج معك وقد حمدوا عاقبته فليصبروا في هذا وليسلموا ويحمدوا عاقبته كذلك. وقيل معناه: أولئك هم المؤمنون حقًا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق كقوله: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}. وقيل "كما" صفة لفعل مضمر وأن تأويله: افعل في الغنائم كم فعلت في الخروج إلى بدر وإن كره القوم ذلك. كقوله سبحانه: {كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم} معناه: " كما أنعمنا عليكم بإرسال رسول فيكم من أنفسكم كذلك أتم نعمتي عليكم ".
وأما قوله سبحانه: {كما أنزلنا على المقتسمين} فإن فيه محذوفًا يدل ظاهر الكلام عليه؛ كأنه قال: أنا النذير المبين عقوبة أو عذابًا , كما أنزلنا , أي مثل ما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين. فإن قيل: أو ليس وإن توجه الكلام وصح على الوجه الذي ذكرتموه في معنى قوله سبحانه: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} فقد دخله من الانتشار بتفرق أجزائه وتباعد ما بين فصوله ما أخرجه من حسن النظم الذي وصفتموه به؟ قبل: لا , وذلك لأنه لم يدخل بينه وبين أول ما يتصل به إنما قال: {وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} ثم وصف هذا الإيمان وحقيقته إذ كان هذا القسم يقع على أمر ذي شعب وأجزاء , يلزم أدناه من ذلك ما يلزم أقصاه , فلو لم يستوفه بالصفة الجامعة له لم يبين المراد , ثم عطف

الصفحة 50