كتاب النكت في إعجاز القرآن

عليهم من الذلة كما يثبت الشيء بالضرب لأن التمكين به محسوس , والضرب مع ذلك ينبئ عن الإذلال والنقص , وفي ذلك شدة الزجر لهم والتنفير من حالهم , وقال تعالى: {فنبذوه وراء ظهورهم} حقيقته تعرضوا للغفلة عنه , والاستعارة أبلغ لما فيه من الإحالة على ما يتصور وقال تعالى: {ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا} حقيقته تكون لنا ذات سرور , والاستعارة أبلغ لما للإحالة فيه على ماقد جرت العادة بمقدار السرور به. وقال تعالى {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} كل خوض ذمه الله تعالى في القرآن فلفظه مستعار من خوض الماء , وحقيقته: يذكرون آياتنا , والاستعارة أبلغ لإخراجه إلى ما تقع عليه المشاهدة من الملابسة لأنه لا تظهر ملابسة المعاني لهم كما تظهر ملابسة الماء لهم. وقال تعالى: {فدلاهما بغرور} وحقيقته صيرهما إلى الخطيئة بغرور , والاستعارة أبلغ لإخراجه إلى ما يحس من التدلي من علو إلى سفل. وقال تعالى: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم} وقال تعالى: {أفمن أسس بنيانه على تقووى من الله ورضوان} الآية. كل هذا مستعار , وأصل البنيان إنما هو للحيطان وما أشبهها , وحقيقته اعتقادهم الذي عملوا عليه , والاستعارة أبلغ لما فيها من البيان بما يحس ويتصور , وجعل البنيان ريبة وإنما هو ذو ريبة , والاستعارة أبلغ , كما تقول: هو خبث كله , وذلك

الصفحة 91