كتاب النكت في إعجاز القرآن

الطعام المستلذ إحساس الآلام , لأن الأسبق في الذوق ذوق الطعام. وقال تعالى: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا} حقيقته منعناهم الإحساس بآذانهم من غير صمم , والاستعارة أبلغ لأنه كالضرب على الكتاب فلا يقرأ , كذلك المنع من الإحساس فلا يحس , وإنما دل على عدم الإحساس بالضرب على الآذان دون الضرب على الأبصار , لأنه أدل على المراد من حيث كان قد يضرب على الأبصار من غير عمى فلا يبطل الإدراك رأسا , وذلك بتغيمض الأجفان , وليس كذلك منع الإسماع من غير صمم في الآذان لأنه إذا ضرب عليها من غير صمم دل على عدم الإحساس من كل جارحة يصح بها الإدراك , ولأن الأذن لما كانت طريقا إلى الانتباه ثم ضربوا عليها لم يكن سبيل إليه. وقال عز وجل: {ثم نكسوا على رؤوسهم} هذا استعارة , حقيقته أطرقوا للمذلة عند لزوم الحجة , إلا أنه يولغ في العبارة بجعلهم كالواقع على رأسه للحيرة بما نزل به من الآبدة. وقال تعالى: {ولما سقط في أيديهم} هذا مستعار وحقيقته: ندموا لما رأوا من أسباب الندم , إلا أن الاستعارة أبلغ للإحالة فيه على الإحساس. لما يوجب الندم بما سقط في اليد , فكانت حاله أكشف في سوء الاختيار لما يوجب من الوبال.

باب التلاؤم
التلاؤم نقيض التنافر , والتلاؤم تعديل الحروف في التأليف , والتأليف على ثلاثة أوجه:

الصفحة 94