كتاب الجامع المسند الصحيح (اسم الجزء: 4)

بِبَصَرِي هَل أرَى مِنْ ظِلٍّ نَأوِي إِلَيْهِ، فَإِذَا أنا بِصَخْرَةٍ فَانْتهَيْنَا إِلَيْهَا، فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلٍّ لَها فَنظَرْتُ بِقُبَّةِ ظِلٍّ فَسَوَّيْتُهُ ثُمَّ فَرَشْتُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ فَرْوَةً.
ثُمَّ قُلتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ الله، فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أنْقُضُ مَا حَوْلِي هَل أرَى مِنَ الطَّلَبِ أحَدًا، فَإِذَا أنا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أُرِيدُ، فَسَألتُهُ فَقُلتُ: لِمَنْ أنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلتُ: هَل فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلتُ: هَل أنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ فَأمَرْتُهُ أنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الغُبَارِ، ثُمَّ أمَرْتُهُ أنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ بِالأُخْرَى، فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَردَ أسْفَلُهُ.
فَأتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ الله، فَشَرِبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلتُ: أنَّى الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ الله، فَارْتَحلنَا وَالقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرَ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لحَقَنَا يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا».
حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا، فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أوْ رُمْحَيْنِ أوْ ثَلَاثَةٍ، قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ الله، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لحَقَنَا، وَبَكَيْتُ، فَقَالَ، مَا يُبْكِيكَ؟ فَقُلتُ: أمَا وَالله مَا عَلَى نَفْسِي أبْكي، وَلَكِنِّي أبْكي عَلَيْكَ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ».

الصفحة 37