كتاب دستور الأخلاق في القرآن
فإذا نظرنا إلى عرض برجسون هذا -على أنه وصف وتحليل لواقع معين نجده في التجربة- أمكن القول بأنه لم يغفل كثيرًا من الأساس.
وأما إذا تناولناه -على أنه نظرية في الإلزام الأخلاقي- فإن تحليله يحمل بعض الصعوبات، وشيئًا من الانحراف عن الجادة، بالنسبة إلى وجهة النظر القرآنية.
فمن حيث كونه وصفًا يمكن أن نتساءل -ما دام الأمر أمر تعيين لكل القوى المؤثرة على الإرادة-: لماذا لم يشر برجسون إلى عامل ثالث، أكثر قدمًا، وأعمق جذورًا في الفطرة الإنسانية، أعني: العنصر الفردي
l'individuel، أو الحيوي le vital؟؟
ذلك أن ما يهم كل مواطن ليس فقط أن يخضع لقيود المجتمع، ويسلك في داخل الكيان الاجتماعي مسلك خلية في مركَّب عضوي، ولكنه كذلك أن يبحث بخاصة عن المحافظة على ذاته، مستقلًّا عن المجموعة التي ينتمي إليها، إن لم يكن على حسابها.
وأخطر من ذلك أن مصطلحي "إلزام obligation" و"أخلاق morale" -الواردين في هذا التحليل- يبدوان لنا متنافيين، يناقض أحدهما الآخر، فمتى أصبح الإلزام قهرًا شبه غرزي فإنه يفقد بذلك صفته الأخلاقية، وعكس ذلك: أن تلقائية الحب هي نقيض الإلزام.
والحق أن الأخلاقية الصحيحة لا تجد هنا مجالها، في إحدى الحالتين أو في الأخرى، فالإنسان قد صور لنا على أنه لعبة في يد قوة، أية كانت، فهو تارة مدفوع بالغريزة، وأخرى محمول بالعاطفة، ولكنه لم يكن مطلقًا شخصية مستقلة، قادرة على المقارنة، والتقويم، والاختيار.
وإذن، فلكي تكون لدينا أخلاقية لا يكفي أن يتمثل لنا المثل الأعلى
الصفحة 24
816