الجور والكذب ما كان العقل موجودا وما كان ذلك واقعا لمجنون (¬1) أو منقوص (¬2). فقال له جعفر بن حرب: إنك تقول: إن الله يقدر على ظلم المجانين، ولا يقدر على ظلم (¬3) العقلاء. فافترق يومئذ القوم على انقطاع كل واحد منهم (¬4) وعجزه عن الانفصال عما ألزم على مذهبه، فلما انتهت نوبة الاعتزال (¬5) إلى الجبائي (¬6) وابنه (¬7) أمسكا عن الجواب في هذه المسألة.
وذكر بعض أصحاب أبي هاشم (¬8) هذه المسألة في كتابه فقال: من قال (¬9): هل يصح وقوع ما يقدر الله عليه من الظلم والكذب؟ قلنا له: لا (¬10) يصح وقوع ذلك منه ما كان قادرا عليه، لأن القدرة على المحال محال. فإن قال: أفيجوز وقوعه منه؟ قلنا: لا يجوز وقوعه منه لعلمه بقبحه وغناه عنه، فإن قال: أخبرونا لو وقع مقدوره من الظلم والكذب، كيف يكون حاله في نفسه؟ هل كان يدل وقوع الظلم والكذب منه على جهله أو حاجته؟ قلنا: ذلك محال، لأنا قد علمناه، عالما غنيا، فإن قال [و 26 أ]، لو وقع منه الظلم والكذب، هل يجوز أن يقال: أن ذلك لا يدل على جهله أو (¬11) حاجته؟ قلنا: لا يقال ذلك، لأنا قد علمنا دلالة الظلم على جهل فاعله أو حاجته. فإن قال: فإنكم (¬12) لا تجيبون على سؤال من سألكم، والكذب (¬13) منه على جهل فاعله أو حاجته (¬14) بإثبات ولا نفي، قلنا كذلك نقول.
¬__________
(¬1) د: بمجنون.
(¬2) ويبدو أن النص الأصلي الذي أورده شاهفور الإسفراييني أوضح وهو: فقال: أنا أقول إن ظلم أو كذب لم تكن عقول العقلاء موجودة في تلك الحالة فلا يتوجه عليه المذمة والملامة لعدم وجود عقل عاقل ينكره عليه. (التبصير في الدين، ص 55).
(¬3) ب، ز: - ظلم. وأثبت في هامشهما.
(¬4) ب: - منهم.
(¬5) د: الاعتراض. وفي التبصير: زعامتهم.
(¬6) محمد بن عبد الوهاب توفي سنة 303 هـ/ 915 م.
(¬7) عبد السلام بن محمد توفي سنة 321 هـ/ 933 م.
(¬8) ب، ج، ز:+ في.
(¬9) ب، ج، ز:+ له.
(¬10) د: هل.
(¬11) د: و.
(¬12) ب: ما بكم.
(¬13) في الكلام عدم اتساق ولعل هناك سقطا كما قال ابن باديس.
(¬14) ج: - فإن قال فإنكم لا تجيبون=: