كتاب صور من الحياة الاجتماعية في المدينة

5…
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي الكتاب
الحمد لله الحي القيوم، الذي جعل كل شئ إلى زوال، ويبقى وجه ربك ذو الجلا والأكرام، خلق فأبدع، واسبغ على خلقه نعمه ظاهرة وباطنة، وصلى الله على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة العظمى، والنور والضياء، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين. وبعد:- فلقد قضيت صيف العام الماضي مع الأهل والأنجال في بعض المصائف في البلد الشقيق سوريا، والرابطة بين المدينة ودمشق رابطة تاريخية، ورابطة اجتماعية ورابطة اقتصادية، وما كان منطلق سكة حديد الحجاز الى مقرها في المدينة المنورة إلا من دمشق، شريان مضى، دكت معالمه الأحداث، كما فعلت بكل اثر ماض، وهناك في دمشق بين الغوطة سهلها، وقاسيون جبلها، يعيش كثير من ابناء المدينة المنورة، ممن دفعت بهم صروف الدهر أيام مجاعات تاريخية، إلى الخروج إلى الشام، استقر كثير منهم هناك في دمشق، وطابت لهم الحياة فيها، ولكن لم تطب كل الطيب، إذ ان بعدهم عن جوار الطيب المطيب، حبيب كل حبيب، ومتعلق كل قلب، الرؤوف بالمؤمنين، وبهم رحيم، البعد عن هذا الجوار نغص عليهم ذلك الهناء، وكدر عليهم مشارب الصفاء، لولا تعلة في النفس لهم من أدب القائل: بنيت على كدر وانت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار ولولا أمل كبير في ان يتحقق لقاء مع من لولاه لكان القلب في عماء، لقاء في الفردوس الأعلى، مطلب كل مسلم، ومطمع كل محب ومؤمن، لولا تلك التعلة وذلك الأمل لكان عيش أولئك أنكد من النكد، وأكدر من الكدر. من بين أولئك الذين عصفت بأبائهم الأقدار، فخرجوا من المدينة في أيام ما يسمى ((سفر برلك)) رجل مسن، وهن العظم منه، واشتعل رأسه شيباً، تقوس ظهره، وتجعدت قسمات وجهه، سمعني وأنا أنحدر من درج أحد…

الصفحة 5