كتاب صور من الحياة الاجتماعية في المدينة

7…
هل لايزال العلماء يتسمون بالوقار الجامع بين المرح والألتزام، كل عالم يحترم نظيره، ويتواضع له، هل لازال العلماء يتحببون الى العامة، ويغشونهم في متاجرهم لدقائق قليلة، يلقنونهم العلم بأسلوب الطرفة والنكتة، هل لازال الأدب والأحترام هو الدائرة الأسرية والأجتماعية التي تحيط جميع تصرفاتهم، يحترم الصغار الكبار ويقبلون أياديهم أدبا ووقارا لسنهم ولعلمهم، والكبار يلاطفون الصغار تودداً ومحبة لهم، هل احضرت معك الى سوريا ((سماورا)) لتتحلق أسرتك حوله عند شرب الشاي في الضحى وبين المغرب والعشاء؟ ماذا عن بئرحاء التي كنا نستعذب ماءه كما كان يستعذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث كانت تذكرنا دائما بمدى استجابة الصحابة لنداء القرآن، وقصتها معروفة؟ ماذا عن دار الضيافة وباب المجيدي ومناهل العين الزرقاء؟ ألازال اسم العين الزرقاء باقيا يتغنى به الشعراء والأدباء، أم أن اسمها زال ايضا كما جفت عينها كما سمعت من بعض من قابلتهم هنا؟ ما أخبار السور الذي كان يحيط بالمدينة وليس له منفذ سوى أبواب خمسة محصنة بالكركونات ((المخافر))، خبرني عن بئر عروة التي كان الخلفاء بالشام يستوردون ماءها استشفاءاً لأمراض الكلى، وكنا في أثناء وجودنا بالمدينة نذهب اليها كل يوم بعد العصر للتنزه وللشرب منها؟ ماذا بقى من تلك المقاهي التي في المناخة والتي كانت الى جانب انها مقاهي مرافق تسليه وتثقيف في آن واحد؟ هل يجتمع حول طاولاتها وبين كراسيها السمار يقرأون قصة الزير سالم وحمزة البهلوان وعنترة والمياسة والمقداد؟ ألاتزال الأحوشة مركز تربية لأبناء الحارة كلهم، فكل رجل فيها هو أب لكل طفل فيها؟ وأسر المدينة ألا يزالون يتمتعون بنظام الأسرة الكبيرة في البيت الواحد، الأب والأم مع ابنائهم وأزواج أبنائهم وأحفادهم يعيشون في ظل الجد والجدة في وئام والتئام، ينقل الخلف فيها أداب الأباء والجدود واخلاقهم؟ ألا يزال العلماء يعكفون على العلم لا يريدون به إلا وجه الله أم ان الدنيا غيرتهم؟ ماذا عن مجالس الأحياء التي يجتمع فيها عقلاء الحي كل يوم بعد العصر وبين العشاءين يصلحون ذات البين قبل ان يستفحل شقاق البين، يتدخلون في حل المشاكل دون طلب ولكن شعورا باللحمة الاجتماعية والمسئولية العمومية، خبرني وخبرني، وخبرني. . .
فقلت له إنك بأسئلتك هذه تخبرني وتخبرني عن أشياء اعتبرها معرفة جديدة بالنسبة لي، وعلى أي حال سآتيك غدا إن شاء الله لأكتب عنك ومنك هذا التراث الزاخر الذي تجمعه في ذاكرتك، وليس لدي متسع من الوقت الآن وموعد انصرافي قد حان، واستمنحك الأذن على موعد لقاء غدا إن شاء الله.…

الصفحة 7