كتاب بحوث في تاريخ السنة المشرفة

نقتنع بقول ابن النديم عنه أنه صنف كتبه من تصنيفات الواقدي1، لأن ابن سعد استقى من مصادر أخرى كثيرة فكان عدد شيوخه في الطبقات ينيف على الستين شيخا معظمهم من المحدثين الذين اهتموا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة والتابعين ومن تلاهم من أهل العلم ورواة الحديث، ولم يقتصر ابن سعد على نقل مادة الواقدي بل يقدم مادة واسعة عن رواة آخرين، بل أن ما نقله عن أبي نعيم الفضل بن دكين2 وعفان بن مسلم وعبيد الله بن موسى العبسي ومعن بن عيسى الأشجعي يزيد عما نقله عن الواقدي!! فكيف إذا كان ابن سعد لم يقتصر على هؤلاء المحدثين الأربعة بل نقل عن غيرهم مادة واسعة أيضا. ويبرز بين شيوخه في الطبقات من حيث كثرة النقول عنهم:
أحمد بن عبد الله بن يونس، وإسماعيل بن إبراهيم بن علية، وقبيصة بن عقبة السوائي، ثم إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني، ومسلم بن إبراهيم الأزدي، ويزيد بن هارون، ووكيع بن الجراح. هذا فضلا عن الشيوخ الذين أخذ عنهم بضع روايات وهم كثيرون3. وبذلك يتضح ما في قول ابن النديم من مجازفة وبعد عن الحق.
وقد وصل إلينا أيضا كتاب "الطبقات" لخليفة بن خياط "ت240هـ".
ويقتصر خليفة في تراجمه على ذكر نسب الرجل لأبيه وأمه، ويرجع بالأنساب إلى ما قبل الإسلام، وبذلك يقدم مادة غزيرة في النسب اعتمدها المؤلفون من بعده، على أن تأكيده على الأنساب إنما هو في جيلي الصحابة والتابعين، وكلما تأخرت الطبقة قل ذكر الأنساب حتى يتلاشى في الطبقات المتاخرة وتبرز النسبة إلى المدن والمهن، وذلك لارتباط العرب بالمدن بعد أن استقروا فيها ولاختلاطهم بالأعاجم وضياع أنساب بعضهم.
__________
1 ابن النديم: الفهرست، 151.
2 يذكر السخاوي أن للفضل بن دكين كتابا في التأريخ "انظر الإعلان بالتوبيخ، 508".
3 استندت في إبداء الملاحظات عن شيوخ ابن سعد ومدى اعتماده عليهم على جرد لأسانيد الطبقات يحتفظ به الدكتور صالح أحمد العلي.

الصفحة 80