كتاب تقريظ لابن حجر على الرد الوافر
مَاتَ مَا اجْتمع فِي جَنَازَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لكفى وَأَشَارَ إِلَى أَن جَنَازَة الإِمَام أَحْمد كَانَت حافلة جدا شَهِدَهَا مؤون أُلُوف لَكِن لَو كَانَ بِدِمَشْق من الْخَلَائق نَظِير مَا كَانَ بِبَغْدَاد بل أَضْعَاف ذَلِك لما تاخر أحد مِنْهُم من شُهُود جنَازَته وَأَيْضًا فَجَمِيع من كَانَ فِي بَغْدَاد إِلَّا الْأَقَل كَانُوا يَعْتَقِدُونَ إِمَامَة الإِمَام أَحْمد وَكَانَ أَمِير بَغْدَاد وَخَلِيفَة الْوَقْت إِذْ ذَاك فِي غَايَة الْمحبَّة لَهُ والتعظيم بِخِلَاف ابْن تَيْمِية وَكَانَ أَمِير الْبَلَد حِين مَاتَ غَائِبا وَكَانَ أَكثر من فِي الْبَلَد من الْفُقَهَاء قد تعصبوا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ مَحْبُوسًا بالقلعة وَمَعَ هَذَا فَلم يتَخَلَّف مِنْهُم عَن حُضُور جنَازَته والترحم والتأسف عَلَيْهِ إِلَّا ثَلَاثَة أنفس تَأَخَّرُوا خشيَة على أنفسهم من الْعَامَّة وَمَعَ حُضُور هَذَا الْجمع الْعَظِيم فَلم يكن لذَلِك باعث إِلَّا اعْتِقَاد إِمَامَته وبركته لَا بِجمع سُلْطَان وَلَا غَيره وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض وَقد قَامَ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين جمَاعَة من الْعلمَاء مرَارًا بِسَبَب أَشْيَاء أنكروها عَلَيْهِ من الْأُصُول وَالْفُرُوع وعقدت لَهُ بِسَبَب ذَلِك عدَّة مجَالِس بِالْقَاهِرَةِ ودمشق وَلَا يعلم عَن أحد مِنْهُم أَنه أفتى بزندقته وَلَا حكم بسفك دَمه مَعَ شدَّة المتعصب عَلَيْهِ حِينَئِذٍ من أهل الدولة حَتَّى حبس بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَ ذَلِك فكلهم يعْتَرف بسعة علمه وزهده وَوَصفه بالسخاء والشجاعة وَغير ذَلِك من قِيَامه فِي نصْرَة الْإِسْلَام وَالدُّعَاء إِلَى الله تَعَالَى فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
الصفحة 13
19