كتاب المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ

بَعْضُ مَنْ قَلَّ فَهْمُهُ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِالاسْتِثْنَاءِ بعدها1 وهذا لا يلتفت إليه وذلك كلما أتى من هذا الجنس فإن الِاسْتِثْنَاءَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ اللَّفْظُ وَلَيْسَ بناسخ.
التاسعة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} 2. ذهب بعضهم إلى أن دليل الخطاب منسوخ لأنه لما قال {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} اقتضى أنه لا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَكَذَا لَمَّا قَالَ {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} اقْتَضَى أَنْ لا يُقْتَلَ الذَّكَرُ بِالأُنْثَى مِنْ جهة دليل الخطاب فذلك منسوخ بقوله {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 3 وهذا ليس بشيء يعول عليه لوجهين أحدهما أنه إنما ذكر في المائدة ما كتبه أهل التوراة وذلك لا يلزمنا فإن قيل شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ وَخِطَابُنَا بَعْدَ خِطَابِهِمْ قَدْ ثَبَتَ النَّسْخُ فَتِلْكَ الْآيَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً بِهَذِهِ مِنْ هَذِهِ بِتِلْكَ وَالثَّانِي أَنَّ دَلِيلَ الخطاب إنما يكون حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه وَقَدْ ثَبَتَ بِلَفْظِ الْآيَةِ أَنَّ الْحُرَّ يُوَازِي الحرة فلأن يوازي العبد أولى4.
العاشرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} 5. ذهب كثير من العلماء إلى نسخها بآية الميراث6. ونص
__________
1 وهو قوله تعالي: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} "الآية 160". وقد قال بهذا ابن حزم 375 وابن سلامة 14.
2 آية 178.
3 المائدة 45.
4 ينظر النحاس 16.
5 آية 180.
6 هي الآية 11 من سور النساء: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} . ينظر النحاس 18 ومقالات الإسلاميين 2/252.

الصفحة 17