كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} عَن طاعتهما فِي تَحْرِيم الْخمر {فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا} مُحَمَّد {الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله {الْمُبين} بلغَة تعلمونها
ثمَّ نزل فِي رجال من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار لقَولهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ حَال الَّذين مَاتُوا منا على شرب الْخمر قبل التَّحْرِيم فَأنْزل الله فيهم {لَيْسَ عَلَى الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جُنَاحٌ} مأثم {فِيمَا طعموا} شربوا وَهَذَا فِيمَن شرب من الْأَحْيَاء والأموات قبل التَّحْرِيم {إِذَا مَا اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَآمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ} يَعْنِي الْأَحْيَاء تَحْلِيل الْخمر بعد تَحْرِيمهَا وآمنوا بتحريمها {ثُمَّ اتَّقَواْ} شربهَا {وَّأَحْسَنُواْ} تركُوا شربهَا {وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فِي ترك شربهَا وَهَذَا فِيمَن شرب من الْأَحْيَاء قبل الْبَيَان
ثمَّ نزل فِي تَحْرِيم الصَّيْد عَام الْحُدَيْبِيَة فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْد} يَقُول ليختبرنكم بصيد الْبر {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} إِلَى فِرَاخه وبيضه {وَرِمَاحُكُمْ} إِلَى الْوَحْش عَام الْحُدَيْبِيَة {لِيَعْلَمَ الله} لكَي يرى الله {مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} فَيتْرك الصَّيْد {فَمَنِ اعْتدى} مُتَعَمدا {بَعْدَ ذَلِك} بعد مَا حكم عَلَيْهِ بالجزاء وَبَين {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ضرب وجيع يمْلَأ ظَهره وبطنه ضربا وجيعا
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} أَو فِي الْحرم {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً} نزلت هَذِه الْآيَة فِي ابي الْيُسْر ابْن عَمْرو قتل صيدا مُتَعَمدا بقتْله نَاسِيا لإحرامه فَأنْزل الله فِيهِ وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا بقتْله نَاسِيا لإحرامه {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} يقومه عَلَيْهِ حكمان {هَدْياً} فيشتري بِهِ هَديا {بَالِغَ الْكَعْبَة} يبلغ بِهِ الْكَعْبَة {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} يَقُول أَو يقوم عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِم بِالطَّعَامِ فيطعم بِهِ مَسَاكِين أهل مَكَّة {أَو عَدْلُ ذَلِك صِيَاماً} يَقُول إِن لم يجد الطَّعَام يقوم عَلَيْهِ مَكَان نصف صَاع صَوْم يَوْم {لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} عُقُوبَة أمره {عَفَا الله عَمَّا سَلَف} قبل التَّحْرِيم {وَمَنْ عَادَ} بعد مَا حكم عَلَيْهِ وَضرب ضربا وجيعاً فِي الدُّنْيَا {فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} فَيتْرك حَتَّى ينْتَقم الله مِنْهُ {وَالله عَزِيزٌ} بالنقمة {ذُو انتقام} ذُو عُقُوبَة
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْر} نزلت فِي قوم من بني مُدْلِج كَانُوا أهل صيد الْبَحْر سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن طَعَام الْبَحْر وَعَما حسر الْبَحْر عَنهُ فَأنْزل الله أحل لكم صيد الْبَحْر {وَطَعَامُهُ} يَعْنِي مَا حسر عَنهُ المَاء وألقاه {مَتَاعاً لَّكُمْ} مَنْفَعَة لكم {وَلِلسَّيَّارَةِ} مارّي طَرِيق المالح {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبر مَا دُمْتُمْ حُرُماً} أَو فِي الْحرم {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فِيمَا حرم عَلَيْكُم من الصَّيْد فِي الْإِحْرَام وَالْحرم
{جَعَلَ الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَاماً} أمنا وقواماً {لِّلنَّاسِ} فِي الْعِبَادَة {والشهر الْحَرَام} أمنا {وَالْهَدْي} وَهُوَ الَّذِي يهدى إِلَى الْبَيْت أمنا للرفقة الَّتِي الْهَدْي فِيهَا {والقلائد} أمنا وَهِي الَّتِي عَلَيْهَا قلادة من لحى شجر الْحرم جعلهَا الله أمنا للرفقة الَّتِي هِيَ فِيهَا {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {لِتَعْلَمُوا} لكَي تعلمُوا {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات} بصلاح مَا فِي السَّمَوَات {وَمَا فِي الأَرْض وَأَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من صَلَاحهَا وَصَلَاح أَهلهَا {عَلِيمٌ}
{اعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} لمن اسْتحلَّ مَا حرم الله {وَأَنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ
{مَّا عَلَى الرَّسُول إِلاَّ الْبَلَاغ} عَن الله

الصفحة 101