كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

صيروا قردة ذليلين صاغرين
{فَجَعَلْنَاهَا} قردة {نَكَالاً} عُقُوبَة {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} لما قبلهَا من الذُّنُوب {وَمَا خَلْفَهَا} ولكي يَكُونُوا عِبْرَة لمن خَلفهم لكَي لَا يقتدوا بهم {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} عظة ونهياً لِلْمُتقين لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
ثمَّ ذكر قصَّة الْبَقَرَة فَقَالَ {وَإِذْ قَالَ} وَقد قَالَ {مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} من البقور {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هزوا} أتستهزى بِنَا يَا مُوسَى قَالَ مُوسَى {أَعُوذُ بِاللَّه} أمتنع بِاللَّه {أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلين} من الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا علمُوا أَنه صَادِق
{قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ} سل لنا رَبك {يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ} صَغِيرَة أَو كَبِيرَة هِيَ قَالَ مُوسَى {إِنَّهُ يَقُولُ} أَي يَقُول الله {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ} لَا كَبِيرَة {وَلاَ بِكْرٌ} وَلَا صَغِيرَة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِك} نصف أَي وسط بَين الصَّغِير وَالْكَبِير {فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ} وَلَا تسألوا
{قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ} سل لنا رَبك {يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا} مَا لون الْبَقَرَة {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ} الظلْف والقرن سَوْدَاء الْبدن {فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} صَاف لَوْنهَا {تَسُرُّ الناظرين} تعجب الناظرين إِلَيْهَا
{قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ} سل لنا رَبك يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ عاملة هِيَ أم لَا {إِنَّ الْبَقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا} تشاكل علينا {وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ} إِلَى وصفهَا وَيُقَال إِلَى قَاتل عاميل
{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ} لَا مذللة {تُثِيرُ الأَرْض} تحرث الأَرْض {وَلاَ تَسْقِي الْحَرْث} لَا يستسقى عَلَيْهَا بالسواقي الْحَرْث {مُسَلَّمَةٌ} من كل عيب {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} لَا وضح فِيهَا وَلَا بَيَاض {قَالُواْ الْآن جِئْتَ بِالْحَقِّ} الْآن تبين لنا الصّفة فطلبوها واشتروها بملء مسكها ذَهَبا {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} فِي بَدْء الْأَمر وَيُقَال من غلاء ثمنهَا
ثمَّ ذكر الْمَقْتُول فَقَالَ {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} عاميل {فادارأتم فِيهَا} فاختلفتم فِي قَتلهَا {وَالله مُخْرِجٌ} مظهر {مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} من قَتلهَا
{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ} عَنى الْمَقْتُول {بِبَعْضِهَا} أَي بعضو من أعضائها وَيُقَال بذنبها وَيُقَال بلسانها {كَذَلِكَ} كَمَا أَحْيَا الله عاميل {يُحْيِي الله الْمَوْتَى} للبعث {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} إحياءه {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت
{ثُمَّ قَسَتْ} جَفتْ ويبست {قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِك} من بعد إحْيَاء عاميل وإعلامكم قَاتله {فَهِيَ كالحجارة} فِي الشدَّة {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} بل أَشد قسوة ثمَّ عذر الْحِجَارَة وَذكر مَنْفَعَتهَا وَعَابَ على الْقُلُوب قَالَ {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَة} حِجَارَة {لَمَا يَتَفَجَّرُ} يخرج {مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ} يَقُول يتصدع {فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ} يَقُول يتدحرج من أَعلَى الْجَبَل إِلَى أَسْفَله {مِنْ خَشْيَةِ الله} وقلوبكم لَا تتحرك من خوف الله {وَمَا الله بِغَافِلٍ} بتارك عُقُوبَة {عَمَّا تَعْمَلُونَ} من الْمعاصِي وَيُقَال مَا تكتمون من الْمعاصِي

الصفحة 11