كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

{وَقَالَ} لَهُم {إِنِّي بَرِيء مِّنْكُمْ} وَمن قتالكم {إِنِّي أرى مَا لاَ تَرَوْنَ} أرى جِبْرِيل وَلم تروه {إِنِّي أَخَافُ الله وَالله شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب خَافَ أَن يَأْخُذهُ جِبْرِيل فيعرفه إِلَيْهِم فَلَا يطيعوه بعد ذَلِك
{إِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ} الَّذين ارْتَدُّوا ببدر {وَالَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ وَخلاف وَسَائِر الْكفَّار {غر هَؤُلَاءِ} مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه {دِينُهُمْ} توحيدهم {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله} فِي النُّصْرَة {فَإِنَّ الله عَزِيزٌ} بالنقمة من أعدائه {حَكِيمٌ} بالنصرة لمن توكل عَلَيْهِ كَمَا نصر نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر
{وَلَوْ ترى} لَو رَأَيْت يَا مُحَمَّد {إِذْ يَتَوَفَّى الَّذين كَفَرُواْ} يقبض أَرْوَاحهم {الْمَلَائِكَة} يَوْم بدر {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} على وُجُوههم {وَأَدْبَارَهُمْ} على ظُهُورهمْ {وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيق} الشَّديد
{ذَلِك} الْعَذَاب {بِمَا قَدَّمَتْ} عملت {أَيْدِيكُمْ} فِي الشّرك {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} كصنيع آل فِرْعَوْن {وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله} بِكِتَاب الله وَرَسُوله يُقَال كفار مَكَّة كفرُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن كَمَا كفر فِرْعَوْن وَقَومه وَالَّذين من قبلهم بالكتب وَالرسل {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} بتكذيبهم {إِنَّ الله قَوِيٌّ} بِالْأَخْذِ {شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب
{ذَلِك} الْعقُوبَة {بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ} بِالْكتاب وَالرَّسُول والأمن {حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} بترك الشّرك {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ} لدعائكم {عَلِيمٌ} بإجابتكم
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} كصنيع آل فِرْعَوْن {وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ} بالكتب وَالرسل كَمَا كذب أهل مَكَّة {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} بتكذيبهم {وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ} وَقَومه {وَكُلٌّ} كل هَؤُلَاءِ {كَانُواْ ظَالِمِينَ} كَافِرين
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ} الْخلق والخليقة {عِندَ الله الَّذين كَفَرُواْ} بَنو قُرَيْظَة وَغَيرهم {فَهُمْ لاَ يُؤمنُونَ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن
ثمَّ بيَّنهم فَقَالَ {الَّذين عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ} مَعَهم مَعَ بني قُرَيْظَة {ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ} حِين {وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} عَن نقض الْعَهْد
{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} تأسرنهم {فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِم} فنكل بهم {مَّنْ خَلْفَهُمْ} لكَي يَكُونُوا عِبْرَة لمن خَلفهم {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون فيجتنبون نقض الْعَهْد
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ} تعلمن {مِن قَوْمٍ} من بني قُرَيْظَة {خِيَانَةً} بِنَقْض الْعَهْد {فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ} فنابذهم على بَيَان {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الخائنين} بِنَقْض الْعَهْد وَغَيره من بني قُرَيْظَة وَغَيرهم
{وَلَا تحسبن} لَا تَظنن يَا مُحَمَّد

الصفحة 150