كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

بعد عَام الْحُدَيْبِيَة وهم بَنو كنَانَة {فَمَا استقاموا لَكُمْ} بِالْوَفَاءِ {فاستقيموا لَهُمْ} بالتمام {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} عَن نقض الْعَهْد
{كَيْفَ} على وَجه التَّعَجُّب كَيفَ يكون بَيْنكُم وَبينهمْ عهد {وَإِن يَظْهَرُوا} يغلبوا {عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ} لَا يحفظوكم {إِلاًّ} لقبل الْقَرَابَة وَيُقَال لقبل الله {وَلاَ ذِمَّةً} لَا لقبل الْعَهْد {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ} بألسنتهم {وتأبى} تنكر {قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ} كلهم {فَاسِقُونَ} ناقضون الْعَهْد
{اشْتَروا بآيَات الله} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {ثَمَناً قَلِيلاً} عوضا يَسِيرا {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه وطاعته {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بئس مَا كَانُوا يصنعون من الكتمان وَغَيره وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْيَهُود
{لاَ يَرْقُبُونَ} لَا يحفظون {فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ} قرَابَة وَيُقَال إلاًّ هُوَ الله {وَلاَ ذِمَّةً} لَا لقبل الْعَهْد {وَأُولَئِكَ هُمُ المعتدون} من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام بِنَقْض الْعَهْد وَغَيره
{فَإِن تَابُواْ} من الشّرك وآمنوا بِاللَّه {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أقرُّوا بالصلوات {وَآتَوُاْ الزَّكَاة} أقرُّوا بِالزَّكَاةِ {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّين} فِي الْإِسْلَام {وَنُفَصِّلُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ويصدقون
{وَإِن نكثوا} أهل مَكَّة {أَيْمَانَهُم} عهودهم الَّتِي بَيْنكُم وَبينهمْ (مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ) عابوكم فِي دين الْإِسْلَام {فَقَاتلُوا أَئِمَّةَ الْكفْر} قادة الْكفْر أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} لَا عهد لَهُم {لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} لكَي ينْتَهوا عَن نقض الْعَهْد
{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً} مَا لكم لَا تقاتلون قوما يَعْنِي أهل مَكَّة {نكثوا أَيْمَانَهُمْ} نقضوا عهودهم الَّتِي بَيْنكُم وَبينهمْ {وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُول} أَرَادوا قتل الرَّسُول حَيْثُ دخلُوا دَار الندوة {وهم بدؤوكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} بِنَقْض الْعَهْد مِنْهُم حَيْثُ أعانوا بني بكر حلفاءهم على بني خُزَاعَة حلفاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَتَخْشَوْنَهُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ أتخشون قِتَالهمْ {فَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ} فِي ترك أمره {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {مُّؤُمِنِينَ}
{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ} بسيوفكم بِالْقَتْلِ {وَيُخْزِهِمْ} يذلهم بالهزيمة {وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} بالغلبة {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} يفرح قُلُوب بني خُزَاعَة عَلَيْهِم بِمَا أحل لَهُم الْقَتْل يَوْم فتح مَكَّة سَاعَة فِي الْحرم
{وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} حنق قُلُوبهم {وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ} على من تَابَ مِنْهُم {وَالله عَلِيمٌ} بِمن تَابَ وبمن لم يتب مِنْهُم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْهِم وَيُقَال حكم بِقَتْلِهِم وهزيمتهم
{أَمْ حَسِبْتُمْ} أظننتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَن تُتْرَكُواْ} أَن تهملوا وَأَن لَا تؤمروا بِالْجِهَادِ {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله} وَلم ير الله {الَّذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} فِي سَبِيل الله {وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ الله وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤمنِينَ} المخلصين {وَلِيجَةً} بطانة من الْكفَّار {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر فِي الْجِهَاد وَغَيره

الصفحة 154