كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

من الله {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} بالنصرة والدولة لمن يَشَاء وَيُقَال الْحَكِيم بِمَا أَصَابَكُم يَوْم أحد
{لِيَقْطَعَ طَرَفاً} يَقُول لَو نزل المدد لم ينزل إِلَّا ليقْتل جمعا {مِّنَ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} يهزمهم {فَيَنقَلِبُواْ} يرجِعوا {خَآئِبِينَ} من الدولة وَالْغنيمَة
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمر شَيْءٌ} لَيْسَ بِيَدِك التَّوْبَة وَالْعَذَاب إِن تدع على المنهزمين يَوْم أحد من الرُّمَاة وَغَيرهم {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} يَقُول إِن شَاءَ الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم فَتَجَاوز عَنْهُم {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} بترك المركز {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} بترك المركز وَيُقَال نزلت فِي الجبين عصية وذكوان دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم حِين قتلوا أَصْحَابه
{وَللَّه مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} لمن كَانَ أَهلا لذَلِك {ويعذب من يشآء} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
{يَآ أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي ثقيفاً {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً} على الدِّرْهَم {مُّضَاعَفَةً} فِي الْأَجَل {وَاتَّقوا الله} واخشوا الله فِي أكل الرِّبَا {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب
{وَاتَّقوا النَّار} اخشوا النَّار فِي أكل الرِّبَا {الَّتِي أُعِدَّتْ} خلقت {لِلْكَافِرِينَ} بِاللَّه وبتحريم الرِّبَا
{وَأَطِيعُواْ الله وَالرَّسُول} فِي تَحْرِيم الرِّبَا وَفِي تَركه {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا وتنجوا فَلَا تعذبوا
{وسارعوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} بَادرُوا بِالتَّوْبَةِ من الرِّبَا وَسَائِر الذُّنُوب إِلَى تجَاوز من ربكُم {وَجَنَّةٍ} وَإِلَى جنَّة بِعَمَل صَالح وَترك الرِّبَا {عَرْضُهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} لَو وصل بَعْضهَا إِلَى بعض {أُعِدَّتْ} خلقت {لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَأكل الرِّبَا
ثمَّ بَينهم فَقَالَ {الَّذين يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ والضرآء} يَقُول يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله فِي الْيُسْر والعسر {والكاظمين الغيظ} الكاظمين غيظهم المرددين حدتهم فِي أَجْوَافهم {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس} عَن المملوكين {وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} إِلَى المملوكين والأحرار
ثمَّ نزل فِي رجل من الْأَنْصَار لأجل نظرة ولمسة وقبلة أَصَابَهَا من امْرَأَة الرجل الثَّقَفِيّ فَقَالَ {وَالَّذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً} مَعْصِيّة {أَوْ ظلمُوا أَنْفُسَهُمْ} بالنظرة واللمسة والقبلة {ذَكَرُواْ الله} خَافُوا الله {فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ} تَابُوا من ذنوبهم {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوب} ذنُوب التائب {إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ} من الْمعْصِيَة {وَهُمْ يعلمُونَ} أَنَّهَا مَعْصِيّة الله
{أُولَئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} لذنوبهم {وَجَنَّاتٌ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} دائمين فِي الْجنَّة لايموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} ثَوَاب التائبين الْجنَّة وَمَا ذكر
{قَدْ خَلَتْ} قد مَضَت فِي الْأُمَم الَّذين مضوا {مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} بالثواب وَالْمَغْفِرَة لمن تَابَ وَالْعَذَاب والهلاك لمن لم يتب {فَسِيرُواْ فِي الأَرْض فانظروا} وتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} كَيفَ صَار آخر أَمر {المكذبين} بالرسل الَّذين لم يتوبوا من تكذيبهم
{هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ} هَذَا الْقُرْآن بَيَان بالحلال وَالْحرَام للنَّاس {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَمَوْعِظَةٌ} عظة وَنهي {لِّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
ثمَّ عزاهم فِيمَا أَصَابَهُم يَوْم أحد فَقَالَ {وَلاَ تَهِنُوا} لَا تضعفوا مَعَ عَدوكُمْ {وَلاَ تَحْزَنُوا} على مَا فاتكم من الْغَنَائِم يَوْم أحد يثبكم فِي الْآخِرَة وَلَا على مَا أَصَابَكُم من الْقَتْل والجراحة {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} آخر الْأَمر لكم بالنصرة والدولة

الصفحة 56