كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

غَريب وأنت رجل قد عرفت البلد، فدلني على من أُشاوره وأسكنُ إليه، فقال له عليك برجلين أحدهما عاقل، وهو يونس بن عبد الأعلى، فإنني سعيت في سفك دمه، وقدر علي فحقَن دمي. والآخر موسى بن عبد الرحمن بن القاسم فإنه زاهد. قال: فصفهما لي، فوصفهما له. فلما دخل بكار مصر ودخل الناس رأي شيخنا بالوصف الذي وُصفهما لي، فوصفهما له. فلما دخل بكار مصر ودخل الناس رأى شيخنا بالوصف الذي وُصِفَ له به يونس بن عبد الأعلى فظن أنه هو فأكرمه. فبينما هو في الحديث معه إذ قبل: جاء يونس بن عبد الأعلى فأعرض عن الرجل وتلّقَّى يونسَ فأكرمَه، وأتاه موسى بن عبد الرحمن فأعظَمه واستشاره وأخذ برأيه. وحمل يونس بكاراً على فسخ قضية الحارث بن مسكين في دار
الفيل ففعل.
واشتهى بكرا أن يرى الحارث بن مسكين فعُرِّف بزمانه فركب إليه، وسلم عليه في داره بسوق وردان. فاتفق أن بكاراً قال لموسى بن عبد الرحمن بعد ما تخصص به: يا أبا هارون من أين المعيشة؟ قال: من وقف أبي، قال: يكفيك؟ قال قد تَفَّيت به. وقد سأل القاضي، فأسأل؟ قال: سل. قال: هل ركب القاضي دينٌ بالبصرة لم يجد له وفاء حتى تولى القضاء؟ قال: لا، قال: فرزق ولداً أحوجه إلى ذلك؟ قال: لا. قال فعيال؟ قال ما نكحت قط. وما عندي سوى غلامي قال: فأجبره السلطان على القضاء وخوفه؟ قال: لا، قال: فضربت آباط الإبل من البصرة إلى مصر، لغير حاجة إلا لتلي الدماء والفروج؟ لله علي أن دخلت عليك أبداً. فقال: أقِلني يا أبا هارون، قال: أنت ابتدأت بمسألتي ثم انصرف عنه فلم يعد إليه.
وقد استبعد صاحبنا جمال الدين البشبيشي صحة هذه الحكاية من جهة أن ابن أبي الليث كان حينئذ محبوساً بالعراق، لأن خروجه من مصر كان في سنة إحدى وأربعين قبل مجيء بكار بخمس ينين.
وأجرى المتوكل على بكار في الشهر مائة وثمانية وستين ديناراً. فلم تزل تجري عليه طول حياته.
قلت: وهي على حساب خمسة ونصف وثمان كل يوم، فلعلها كانت ستة فحط الكُتَّاب منها نقص الأهلة.

الصفحة 100