كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر
وكان بكار عارفاً بالفقه كثير البكاء والتلاوة. وكان إذا فرغ من الحكم خلا بنفسه وغرض من تقدم إليه وما حكم به على نفسه. وكان يكثر الوعظ للخصوم ولا سيما عند اليمين. وكان يحاسب أمناءَه في كل وقت، ويسأل عن الشهود.
وكان إبراهيم بن أبي أيوب يكتب للحارث بن مسكين، فلما دخل بكار مصر حضر إليه وكان ذكر عنده بسوء، فقال له: انصرف فلا حاجة لنا بك. فخرج فرآه أهل الخصومات الذين بباب بكار، فثاروا عليه ومزقوا ثيابه وضربوه، فقيل أبكار إن لم تُدْركه قُتِل، فقام فنادى: كفوا فقد أشركناهم في الكتابة مع كاتبنا. فرجع الذين وثبوا عليه، ينفضون ثيابه ويعتذرون إليه. ولولا هذه الحيلة من بكار كان إبراهيم قتل، ثم لم يستعمله بكار.
ولما أمر المتوكل ببناء المقياس في الجزيرة كتب إلى بكار أن يندب إلى المقياس أميناً، فاختار لذلك أبا الرداد عبد الله بن عبد السلام المؤدب فاستمر ذلك في ولده، وذلك في سنة سبع وأربعين ومائتين. وكان الذي يتولى أمر المقياس النصارى، فأمر المتوكل ألا يوليه إلا مسلماً يختاره. ذكر ذلك ابن زولاق.
وذكر أبو عمر الكندي أن كتاب المتوكل بذلك، ورد على يزيد أمير مصر، فأقام أبا الرداد المعلِّم، وأجرى عليه ابن وهب صاحب الخراج كل شهر ستة دنانير. وكانت وفاة أبي الرداد المذكور في سنة ست وثمانين ومائتين.
ودخل أبو إبراهيم المُزّنِيُّ علي بكار في شهادة، ولم يكن رآه قبلها لاشتغال المزني بنفسه، وإنما اضطر إلى أداء الشهادة. فلما أداها قال له: تَسَمَّ، فقال: إسماعيل بن يحيى المُزني، قال: صاحبُ الشافعي؟ قال: نعم. فاستدعى من شهد عنده أنه هو، فقبل شهادته. قال الطحاوي: ما أدري كم كان يجيء أحمد بن طولون إلى بكار وهو على الحديث، فما يشعر به بكار إلا وهو جالس إلى جنبه، فيقول: ما هذا أيها الأمير؟ هلا تركتني حتى أقضي حقك! أحسن الله مجازاتك.
وقال أبو حاتم ابن أخي بكار: قدم على بكار رجلٌ، من أهل البصرة، ذكر أنه كان رفيقه في المكتب، فأكرمه جداً، ثم احتاج إلى شهادة فشهد مع رجل مصري عند بكار، فتوقف عن الحكم، فظن أهل مصر أنه لأجل المصري، فسئل في خلوة عن ذلك، فقال: المصري على عدالته ولكن السبب البصري، وذكر منه أمراً رآه
منه في الصغر، قال: لا تطيب نفسي إذا ذكرت ذلك أن أقبل
الصفحة 101
550