كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر
شهادته. وذكر أنه أكل معه أرزاً في سمن وعسل فنفد العسل الذي من ناحية بكار، ففتح من جهة صاحبه حتى جرى العسل، فقال له (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا) فقال له بكار: أتهزأ بالقرآن في مثل هذا؟! فبقيت في نفسه عليه.
ومات رجل من المتقبلين وعليه مال للأمير وله أطفال، فطلب عاملُ الخراج من أحمدَ بن طولون أن يأمر القاضي ببيع داره فيما عليه، فأرسل ابن طولون إلى بكار في ذلك، فقال: حتى يثبت عليه الدين، فأثبتوه وسألوه البيع، فقال: حتى يثبت عندي أنه ملكه، فأثبتوه ثم سألوه البيع، فقال: حتى يحلف من له الدَّين، فحلف ابن طولون، فقال بكار: أنا الآن فقد أمرت بالبيع.
ومات آخر وعليه مال، وله دار حُبس، فقال عامل الخراج لأحمد: إن كباراً يرى بيع الحبس. فسأله ففعل كما فعل في المرة الأولى. فلما ثبت الدَّين، وثبت وضع يده عليه، وأنه حبُس، قال ابن طولون أبكار: مُر بيعه على مذهبك. فسكت ساعة، فعاوَده، فقال: أيها الأمير إنك قد بنيت المسجد الجامع والمارستان، والسقاية والصهريج، وحبست على ذلك ما شاء الله، فلا تجعل لغيرك على أحباسك سبيلاً. فسكت أحمد.
وكان بكار في غاية العفاف والسلامة. واتفق أن دخل عليه بعض أمنائه وهو مخرّق الثياب. فقال: بعثتني أحفظ تركة فلان فصنع بي جاره هذا، فقال أحضروه: فأحضره الأعوان، فقال له بكار: أنت صنعتَ هذا باميني؟ قال: نعم. فقال خذوه، فأخذه الأعوان فسقط ميتاً، فدهش بكار، فقال له أمناء القاضي: هذا عَمِلَه اليوم، مات مرتين، فاستوى الرجل جالساً، فقال كذبوا والله ما مِتُّ إلا الساعَة ورقد. فجعل بكار برشُّ عليه المَاوَرد ويُشٍمُّه الكافور ويَرْفُق به، ويعِده إلى أن قام فصرفه. واقبل على أعوانه، فقال هددتموه وجررتموه فلو وافق أجله.
وكان ابن طولون إذا حضر جنازة لا يصلي عليها غيرهُ، إلا أن يكون بكار حاضراً، ولما مات يحيى بن القاسم العلوي كانت جنازته حافلة، فحضر ابن طولون وبكار، وبعد أن صلى الناس على الجنازة فقال ابن طولون: حطوا النعش، وقال أبكار: تقدم فصل عليه. فقال له كم أُكبّر؟ قال: خمساً، فتقدم بكار فصلى عليه وكبر خمساً، وأعاد أكثر الناس الصلاة عليه مع بكرا.
الصفحة 102
550