كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

بكار: يا هذا قد حلف بالله، أعظم من الأمير. فقال: بل استحلِفه برأس الأمير، فقال له بكار، تحلف برأسه؟ قال: لا، فقال له بكار: يا عدو الله، تحلف بالله خالق السموات والأرض، وتمتنع أن تحلف برأس مخلوق مثلك! قال: فحظي ذلك الرجل بعد ذلك عند أحمد بن طولون.
قال ابن زولاق: كان أبكار اتساعٌ في العلم والمناظرة، ولما رأى مختصر المزني وما فيه من الرد على أبي حنيفة شرع هو في الرد على الشافعي، فقال لشاهدَين من شهوده، اذهبا إلى المزني فقولا له: سمعتَ الشافعي يقول ما في هذا الكتاب؟. فمضيا: وسمعا المختصر كلَّه من المزني، وسألاه: أسمعتَ الشافعي يقول هذا؟ قال نعم. فعادا إلى بكار فأخبراه بذلك، فقال: الآن استقام لنا أن نقول أن الشافعي. ثم صنّف الرد المذكور.
ولما غضب أحمدُ بن طولون على بكّار سجنه، وكان السبب في ذلك أنه لما خرج إلى قتال الموفق، بسبب العهد حين ضيق الموفق، وهو ولي العهد، على أخيه المعتمد بذلك، وهو الخليفة حينئذ، حتى إنه لم يبق للمعتمد إلا الاسم، ضاق المعتمد بذلك، فكاتب أمراء الأطراف فوافقه أحمد بن طولون، وواعده أنه يحضر إليه ويحمله معه إلى مصر، ويجعلها دار الخلافة، ويذب عنه من يخالفه في ذلك. فتهيأ المعتمد لذلك، واهتم أحمد بأمره. فبلغ الموفق فنصب لأحمد الحرب، وصرح بعزله
ولعْنه، فصرح أحمد بخلع الموفق من ولاية العهد، وأمر بلعنه وخرج أحمد بالعسكر من مصر، واستحصب بكاراً. فلما كان بدمشق جاء كتاب المعتمد إلى ابن طولون بخلع الموفق من ولاية العهد ففعل، وأجاب القضاة كلهم إلى خلعه، وسماه بكار " الناكث " وأشهد على نفسه هو وسائر قضاة الشام الثغور، وطلب منهم أحمد أن يلعنوا الموفق، فامتنع بكار، فألح عليه، الشام والثغور، وطلب منهم أحمد أن يلعنوا الموفق، فامتنع بكار، فألح عليه، فأصر على الامتناع حتى أغضبه، وكان قبل ذلك له مُكْرِما معظماً، عارِفاً بحقه. وكان يجيزه في كل سنة بألف دينار. فلما غضب عليه أرسل إليه: أين جوائزي؟ فقال: على حالها، فأحضرها من منزله بخواتيمها ستة عشر كيساً، فقبضها أحمد. وكان قبل ذلك أرسله إلى ابنه العباس، لما خالف عليه ببرقة، فأجابه العباس إلى الرجوع إلى أبيه، ثم خلا ببكار فقال له: المستشار مؤتمن، أتخاف علي من أبي؟ قال: قد أمنك وحلف لك، ولا أدري يفي أم لا فامتنع العباس من الرجوع معهم.

الصفحة 105