كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

وكان أحمد قد داوم النظر في المظالم، حتى استغنى الناس عن الشرطيين وعن القاضي حتى كان بكار ربما نعس في مجلسه واتكأ، ثم انصرف إلى منزله ولم يتقدم إليه اثنان. ولما ألحّ ابن طولون على بكار في لعن الموفق، وامتنع من إجابته خوطب في ذلك إلى أن قال بكار لأحمد بن طولون: ألاَن لعنة الله على الظالمين. فقال علي بن الحسين ابن طباطبا، وكان نقيب الطالبيين بمصر: أيها الأمير إنه عَنَاكَ. فغضب أحمد وأمر بتمزيق ثيابه، وجروه برجله، وليس عليه إلا سراويلُ وخُفان وقلنسوة، مَسلوب الثياب.
وكان بِرجْل بكّارٍ عِلّة لا يستطيع التَرَبُّع، بل يمد رجله من تحت ثيابه فضربه رجل بعود حديد على رجله المدودة فقال: أوَّه، وضمّها. ثم حمل من بين يديه إلى السجن، وأقامه للناس يطالبونه بمظالم يدعونها عليه. فكان يحضر في مجلس المظالم بين يدي أحمد قائماً.
وكان الطحاوي يقول: ما تعرض له أحد فأفلح بعد ذلك. لقد تعرض له غلام يقال له عامر بن محمد بن نجيح، وكان في حجره، فرآه في مجلس المظالم، فقال بكار يا عامر ما تصنع ها هنا؟ فقال أتلفتَ عليَّ مالي، فقال: إن كنت كاذباً فلا نفعك الله بعقلك.
قال: فأخبرني من رآه ذاهل العقل، يسيل لُعابه، يَسُبُّ الناس ويرميهم بالحجارة، والناس يقولون: هذه دعوة بكار. قال: وتقدم إليه نصراني فقال: أيها الأمير إن هذا الذي يزعم أنه كان قاضياً، جعل رَبع أبي حُبسا، فقال بكار: نعم. ثبت عندي أن أباه حبَّس هذا الربع وهو يملكه، فأمضيت الحبس فجاءني هذا متظلماً فضربته فخرج إلى بغداد، فجاءني بكتاب هذا الذي يزعم أنه الموفق (لا تمض أحباس النصارى) فعرفت أنه جاهل، فلم ألتفت إليه. وقد شهد عند إسحاق بن معمر بأن هذا كان أسلم ببغداد على يد الموفق، فإن شهد عندي آخرُ مثل إسحاق ضربته عُنقه. فصاح أحمد بالنصراني، المُطْبَق المُطْبَق، فأخر فحبس.
ومن قضايا بكار: أن رجلاً خاصم آخر شافعياً في شفعة جوار، فطالبه عند بكار فأنكر، فطاوله بكار حتى عرف أنه من أهل العلم. فقال بكار للمدعي ألك

الصفحة 106