كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

وقال بحر بن نصر: عرفت الحارث أيام ابن وهب، وقبل وفاته على طريق زهد وورع، وصدق لهجة حتى مات.
وكان المتوكل لما عزل محمد بن أبي الليث، قال: اطلبوا لنا رجلاً نوليه القضاء، فذكر له عيسى بن لهيعة فقالوا إنه يتلهى بلعب الشّطرنج، حتى يزدحم الخصوم ببابه، ويقتتلوا، ثم ذكر له الحارث بن مسكين. فقال: اكتبوا له بالولاية. فأتاه كتاب الولاية وهو بالإسكندرية، ففض الكتاب، فلما قرأه امتنع. فجبره إخوانه على القبول. فقالوا: نحن نقوم بين يديك. فقبل وجلس للحكم، واستكتب محمد بن سلمة المرادي، وكان رفيقه فيا لسماع على ابن القاسم، وجعل على مسائله يزيد بن يوسف وعمرو بن يوسف، وأخاه عمرو بن يوسف، وأضاف إليهما بعد ذلك أبا بردة أحمد بن سليمان التجيبي.
قال ابن قديد: وحلمه أصابه على كشف أحكام محمد بن أبي الليث الذي كان قبله، وأن يفعل معه كما فعل هو بأحكام الذي قبله، وهو هارون بن عبد الله
الزهري فكانوا يحضرون محمد بن أبي الليث كل يوم بين يدي الحارث، فيضربه عشرين سوطاً، ليخرج عما يجب عليه من الحقوق، فأقام على ذلك أياماً. ثم أشير عليه بتركه. وقيل له: إنه لا ينبغي للقاضي فعل ذلك لقبحه، فصرفه.
وقال ابن قديد: كان الحارث أقعد من رجليه. وكان يحمل في مِحَفَّة إلى المسجد الجامع، ويركب حماراً متربَّعاً. فأشير عليه يلبس السواد، فامتنع. فخوفه أصحابه سطوة السلطان، لكونه من موالي بني أمية فأجابهم إلى لبس كساء صوف أسود، فقنع منه الوالي بذلك. وقيل: عن الوالي كاتَبَ الخيفة بذلك، فكتب إليه إن لم يحُلُ له لبس السواد فاخلع وركيه، فأحضره الوالي وقرئ عليه الكتاب. فقال له محمد بن سعيد: يا شيخ، لا يهولنك ما ترى، لا تُرَع قال: فما أصنع؟ فقال شيخ من ناحية المسجد: أنا رأيته يلبس الثياب العرضية التي تعمل باليمن، فقال الحارث: بل ربما لبستها. فقال له الوالي: فالبسها. فقال: أمات لك فنعم. فخلى عنه. وكتب إلى المتوكل بأنه أذعن.
ومن قضاياه: أنه أخرج أصحاب أبي حنيفة والشافعي من المسجد الجامع، وأمر برفع حصرهم. ومنع عامة المؤذنين من الأذان، ومنع قريشاً والأنصار من طعمة شهر رمضان. وأرم بعمارة المسجد الجامع. ومسح سقوفه، وحوَّل سلم

الصفحة 118