كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

بها اتسعت دنياه فتحول إلى الرملة. وولي القضاء بها، ونشأ ولده هذا فتفقه وتأدب وجلس
مع الشهود، واشتهر بالصدق والعفة والمعرفة بالأمور. فصار مقبول القول عند القضاة ثم ولي قضاء أعمال من الرملة بعد والده، فاتصل ببعض حَظَايا القصر بالقاهرة، فاستمر في عمله إلى أن ماتت فعزل عن الحكم فدخل القاهرة يسعى في عود وظيفته، فتوصل بسعة حيلته عن أن بلغ من أمره ما بلغ.
فقرأت بخط الحافظ قطب الدين الحلبي، أن اليازوري بعد أن صرف من القضاء حج وزار المدينة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم فلازم القبر النبوي. فاتفق أنه نام هناك فسقطت عليه وهو نائم قطعة خلوق من الزعفران الذي تلطخ الحجرة به، فجاء إليه أحد الخدم فأنبهه وقال له: أبشر فإنك ستلي ولاية عظيمة. فاحفظ لي هذه البشارة فإني أستحق عليها الكرامة، فتوجه إلى مصر وسعى إلى خدم أتباع أم المستنصر فوصفوه لها، وتَجْربته وصار يتردد إلى الوزير صَدَقَةَ بن يوسف الفَلاحِي وباطنه في السعي على أبي سعد التُّسْتَرِي. وكان هو القائم بأمور الدولة فأعانه حتى قتل التستري.
واستبد الوزير بالأمر، فاتفق أن القاضي حضر الخدمة يوم الاثنين على العادة، فقعد بباب القصر ينتظر الإذن، فالتفت فرأى اليازوري جالساً مع أتباعه، فزجره وطرده، فخرج وهو خجل. ثم سعى جهده ليرضى عنه القاضي فأصر، فتوسل إليه
بنائبه القضاعي، فلم يفد. ثم توسل إليه بنائبه الآخر أحمد بن محمد بن أبي زكريا، فلم ينجح. فاتفق أن وصل إليه ثلاثون حملاً من التفاح، فأهدى منها للقاضي خمسة أحمال وللوزير خمسة أحمال، وللقائد عدة الدولة رفق خمسة أحمال، ووزع الباقي على الأتباع، فلم يعرف له حق ذلك إلا القائد. فإنه قال: هذا رجل لا يعرفنا ولا تقدم لنا عليه جميل، فيجب أن نكافئه. فاتفق أنه لقيه في الطريق فأنصفه في السلام والكلام واستزاره فزاره، واستمر يتردد إليه فسعى له إلى أن قرره في خدمة أم المستنصر، وكان كاتبها مات، وتعطلت ثلاثة أشهر، وهي في اختيار من تستخدمه. فأشار عليها رِفْقٌ به ووصفه وأثنى عليه الوزير

الصفحة 130