كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر
والشيخ أبو نصر أخو أبي سعد التستري. وكانت قد عينته لذلك فامتنع، ورضى اليازوري فاستقر وتلكم في جميع تعليقاتها.
واتفق أن الوزير نكب ثم قتل، فأقيم الحسين بن محمد الجَرْجَرَائي مكانه، وترقى حال اليازوري، وأمرته أم المستنصر أن لا يقوم لأحد كائناً من كان، فامتثل أمرها إلا في رِفق، الذي سبب سعادته. فلم يزل في ترق وازدياد، إلى أن صار الخليفة لا يخاطب الوزير إلا على لسانه، فثقل ذلك على الوزير، فتحيل بإبعاده عن الخليفة، بأن سعى له في القضاء. فبدأ فأفسد حال قاسم بن عبد العزيز عند الخليفة وشنع عليه وعاب أحكامه، وأطنب في وصف اليازوري بالعقل، والمعرفة التامة
بالأحكام، وحسن السياسة، والصبر على ذلك. فولاه القضاء. فبلغ ذلك اليازوري فخشي من إبعاده عن خدمة أم المستنصر، وكانت هي باب الملك، فراسلها في ذلك فقالت له لا يضيق صدرك، فإني لا أستبدل بك أحداً ولا يهولنَّك أمر الحكم فإن القضاعي وابن أبي زكريا ينفذان الأمور، واجعل لنزولك إليهم يومين في الأسبوع، وفيهما يكون ولدك ينوب عنك عندي، فاستقر الأمر على ذلك فخلع عليه، وقرئ سجله بالإيوان. ولقب اليازوري لما ولي القضاء، قاضي القضاة، داعي الدعاة، الأجل المكين، عمدة الدين، أمين أميرِ المؤمنين.
وكانت ولايته في يوم الاثنين الثاني من المحرم سنة إحدى وأربعين وأربعمائة.
وخرج من عند الخليفة، فمشى جميع أهل الدولة في ركابه، لأجل مولاتهم. ثم راسلها الوزير في استخدام ولده عندها، فقالت لا أستبدل بكاتبي أحداً. فلما تحقق الوزير ذلك، وعلم أن حيلته لم تكمل، أخذ في مداراته، فاجتمع به وتعاهدا وتواثقا، وصار يجتمعان في الشهر يوماً في بيت الوزير فيخلوان ويبالغ الوزير في إكرامه، وهو يدبر عليه في الباطن.
فاتفق أن المستنصر قبض على الوزير فاختار اليازوري للوزارة، فامتنع فحسن له ناصر الدولة الحسين بن حمدان ذلك، فأصرَّ وأقام صاعد بن مسعود نائبه مكانه ولم يتسمَّ بالوزارة بل يسد الأشغال حتى يختاروا وزيراً.
وعرض المستنصر الوزارة على القاضي فامتنع، ومع ذلك فكان لا يقطع أمراً
الصفحة 131
550