كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر
دونه، ولا يخاطب صاعداً إلا على لسانه، فثقل على صاعد أيضاً، فأخذ في تأليب الجند عليه، فلم يجد بداً من أن يجيب الخليفة إلى ما ألتمسه منه، من الدخول في الوزارة، فوليها في المحرم سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، فباشرها بهمة وحرمة وجمع الكلمة. فجمع القضاء والوزارة والنظر في ديوان أم الخليفة، وكاتب أمراء الأطراف، وجهز الجيش لغزو بلاد الفرنج مرة بعد أخرى، وساس الأمر أعظم سياسة، وتمكن من الدولة تمكناً زائداً، وصار يتمّ له بالحيلة والسياسة مالا يتم ببذل الأموال والأنفس، ولم ينزع الطيلسان. ولقب الناصر لدين الله. وهو الذي راسل الصُّلَيْحِي لما ثار باليمن. فأقام الدعوة الفاطمية باليمن، وأهدى إلى المستنصر ما قيمته عشرة آلاف دينار، ولم يكن لهم عهد بمثل ذلك. واتفق أن المعز بن باديس صاحب أفريقية قصر في مخاطبة الوزير وكان يكتب إلى من قبله من الوزراء من عبده، فصار يكتب إليهم أن صنيعته، فعاتب نائبه وكاتبه في ذلك فما أفاد، فتلطف الوزير حتى أحضر إليه سكين المعز من دواته، فقال لنائبه: كاتبْه بأنا لو أردنا أن نذبحه بها فعلنا فتمادى على حاله الأول، فغضب منه، وألب عليه العرب حتى ضيقوا عليه، فلم يسعه إلا مداراة الوزير والخضوع له. وأغزى الوزير الجيش إلى صقلية. وغيرها.
وتوقف النيل في سنة سبع وأربعين وأربعمائة، فساس الوزير أمر الناس حتى انحط السعر، ومشى الحال ولم يتغير عليهم شيء. ولما غضب الوزير البَسَاسيري من الوزير ابن المُسْلِمَة ببغداد، وخرج إلى ديار بكر كاتب المستنصر يستأذنه في القدوم، فاستشار في أمره فأشار عليه الوزير بأن يفوض إليه أمر تلك البلاد، ويمدده بالمال، ولا يأذن له في القدوم لئلا يفتك به العرب، فاستجود رأيه وفعل ذلك. واتفق قدوم طُغْرُلْبك بغداد واستيلاؤه على العراق بعد استيلائه على خراسان، وأراد بعد ذلك الاستيلاء على الشام فخافه أهل مصر، فأخذ اليازوري في الحيلة، وكاتبه وتلطف به، وأوهمه أنه في طاعته، وأن البلاد بحكمه، وأنه لا يتكلف في قتال ولا أنفق لي عسكر، بل متى أراد وصل بغير مانع، فتوهم طُغْرُلْبك صحة ذلك واقتصر عن الحركة حتى يخلو وجهه لذلك، فوجد أعداء الوزير السبيل إلى القدح فيه وقيل في حقه إنه يكاتب أعداء الدولة ويستدعيهم إلى أخذ المملكة.
الصفحة 132
550