كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

فلما ولي القاضي بدر الدين الكُلُسْتاني مشيخة الصَّرْغَتْمِشِية، صحِبه واختص به، فنعفه لما ولي كتاب السِّر ونوَّه به، وناب عن أمين الدين الطرابلسي من بعده، ثم صحب ابن العديم وواظَب دروسه بالشيخونية، ونزل في طلبتها، حتى صار ثاني مَن يجلس عن يمين الشيخ في حضور الدرس والتصوف.
ولما شغرت مَشْيَخة الصَّرْغَتْمِشِية، تنازَع فيها هو وشرف الدين ابن التَّباني، وكان السلطان غائباً في الشام، فراح ابن التباني وعمل إجلاساً واستدعى الأعيان، وألقى درساً حافلاً. فلما قم العسكر غلبه التفهني عليها فاستقر فيها. وكان ابن خلدون قبل ذلك قد ولي درس الحديث بها، فنزل عنه للقاضي زين الدين هذا بمال فباشره.
وكان يذكر أنه بحث مع الشيخ جلال الدين البتاني والد شرف الدين في درس الفقه بالصرغتمشية فغضب منه وأقامه، فخرج هو مكسور الخاطر. فدعا الله أن يوليه التدريس مكانه، فحصل له ذلك بعد مدة.
وخطب بالجامع الأقمر لما جدّد السَّالمي فيه الخطبة، ودرس بالأَيْتَمِشِيّة لما ولي الكُلُسْتاني كتاب السر، وأوصى إليه عند موته.
ولم يزل يترقَّى حتى ولي قضاء الحنفية بعد انفصال ابن الديري بتقريره في المدرسة المُؤيَّدِيَّة لما فتحت. وخلع عليه في سادس ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين فسار فيه سيرة محمودة، وخَالَق الناس بخُلقٍ حَسن، مع الصيانة والإفضال والشهامة والإكْباب على العلم والتصوف.
ولما تكلم الظاهر طَطَر في المملكة بعد المؤيد، كان من أخص الناس به، وسافَرَ معه إلى الشام. ولما تخلّف القاضي الشافعي جلال الدين البلقيني بدمشق، استمر هو معه إلى حلب.
قال القاضي علاء الدين في تاريخه: (كان معظماً عند الملك الظاهر واجتمعتُ به فوجدته عالماً ديناً، منصفاً في البحث، حققاً للفقه وللأصول، كيِّس الأخلاق) انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين المقريزي في تاريخه: (حلف مرة أنه لم يرتش قط في الحكم) .
ثم صرف القاضي زين الدين عن القضاء بالشيخ بدر الدين العنتابي في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين ثم أعيد في أوائل سنة ثلاث وثلاثين

الصفحة 225