كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

جَزعه وعظم مَصَابه. فلما قُرئ صحيح البخاري بالقلعة، ساعده القاضي ناصر الدين البارزي كاتب السر، حتى أذِن له السلطان المؤيد في الحضور مع الهروي، فجلس عن يمين الهروي بينه وبين المالكي، وصار يبدي الفوائد الفقهية والحديثية ويجاريه القاضي الحنبلي ابن المُغلي، ولا يبدر من الهروي شيء بعد فائدة مع كلامهما. ثم صار ابن المغلي يدرس قدر ما يقرأ في المجلس ويسرده في حفظه ويتحدى بذلك. فرتّب القاضي جلال الدين أخاه القاضي عَلمَ الدين في أسئلة يبديها مشكلة ويحفّظ أصلها وجوابها ويستشكلها، ويخص الهروي بالسؤال عنها، فيضج الهروي من ذلك. والمراد من كل ذلك إظهار قصور الهروي، والسلطان يشاهد كل ذلك ويسمعه، لأنه كان يجلس أولاً بينهم. ثم لما غلب عليه وجع رجله، صار يجلس في الشباك الذي يطل على المحل الذي هم فيه. ومع ذلك فلم يقَدّر إعادة القاضي جلال الدين إلا بعد نصف سنة أو اكثر من وقت قراءة البخاري. وانتفع أخو القاضي جلال الدين نصف سنة أو أكثر بأن أنعم عليه السلطان بِفَرَجِيَّة لبسها يوم العيد بعد أن كان سأل عنه فقيل له أنه ولد الشيخ سراج الدين، وكان له في الشيخ اعتقاد.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر بن هبة الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر بن محمد بن عبد المنعم بن طاهر بن أحمد ابن مسعود بن داود بن يوسف الزبيري، القاضي تقي الدين أبو محمد، نزيل القاهرة الشافعي.
أصله من المحلة
الكبرى، وسمعت شيخنا ابن الملقّن يقول: لجمال الدين عبد الله، ولد القاضي تقي الدين المذكور، لما عرض عليه وكتب له في الإجازة الزبيري، وهو نسبة إلى الزبيرية قرية من قرى المحلة. وكان أبوه يعرف بابن تاج الرياسة. وولد هو بالمحلة في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ودخل القاهرة بعد أن حفظ التنبيه، واشتغل وسمع الحديث من عبد الرحمن بن محمد بن عبد الهادي، والصدر أبي الفتح الميدومي وغيرهما، وحدث عن الميدومي.

الصفحة 229