كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

سمعنا عليه عدة أجزاء، وتعلّم التوقيع، ومهر في الشروط والسجلات، وجلس مع الموقعين مدة طويلة، وسجل على القضاة، وناب فِي الحكم عن بدر الدين ابن أبي البقاء في القاهرة، وفي عدة جهات من الضواحي، واستمر إلى أن غضب السلطان من القاضي صدر الدين المناوي وعزله. فاستدعى به فخلع عليه، وقرره في قضاء الشافعية، في يوم الخميس ثالث عشرين جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وسبعمائة. وحضر الصالحية على العادة. ثم صار يلازم الجلوس في قاعة الحكم كل يوم، ويخرج من باب السِّر إلى داره، وهي مجاورة للمدرسة بينهما مسافة يسيرة. وباشر مباشرة حسنة، وكان عفيفاً كثير التأني تام المعرفة.
ولم يزل على حاله إلى أن حَسَّن المناوي لأصيل الدين أن يسعى له في المنصب. فلما سَعَى بالغ في ذلك وأَلَحَّ، وكان السلطان يسمح له بالإِجابة. قال بعض من يتعصب للمناوي: إن كان مولانا السلطان يختار عزل الزبيري، فالمناوي أحق بالعود إلى منصبه. وقرروا معه أن يستقر أصيل الدين في قضاء الشام، فوقع
ذلك، وصرف الزبيري. وعاد المناوي في يوم الاثنين خامس عشر رجب سنة إحدى وثمانمائة.
وكانت مدة ولايته سنتين وشهراً، واستمر بمنزله معطلاً لا يتهيأ له الرجوع إلى نيابة الحكم، وأخرجت جهاته عنه، وتلقفها في ولايته بعض الناس، فاستمر في أيديهم. وصار لا يمكنه أن يتكسَّب في التوقيع. ولم يكن بيده وظائف يتحصّل له منها كفايته. واستمر خاملاً إلى أن قرره القاضي جلال الدين البلقيني في تدريس الصالحية والناصرية فباشرهما. وكان يمشي من بيته فيدخل الصالحية لإلقاء الدرس ثم يخرج من باب سر الصالحية، فيمشي بين القصرين إلى الناصرية فيلقى الدرس ثم يرجع. واستمر على ذلك إلى أن مات.
ولما قبض الملك الناصر فرج على جمال الدين، أراد عزل القاضي جلال الدين البلقيني، لما كان ينسب إليه من موالاة جمال الدين، فعين القاضي تقي الدين للمنصب، وشكروا له مباشرته، وكثر الثناء عليه. فانزعج الجلال من ذلك وسعى حتى استمر.
وكانت وفاة الزبيري، أول يوم من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وثمانمائة.
وكان أبوه من أكابر أهل المحلة، كان يذكر أن يوسف الأعلى جده، هو ولد عبد الله بن الزبير بن العوام، والله أعلم.

الصفحة 230