قرأت بخط القاضي تقي الدين - وَقَدْ ذكر أباه وأرَّخ وفاته فِي الطاعون العام - أنه كَانَ كثير العبادة، يؤثر بماله، وقرأ القرآن عَلَى أبيه بقراءته عَلَى أبيه أبي الفرج هبة الله بقراءته عَلَى أبي القاسم الصفراوي.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد العلي بن علي المصري، عماد الدين ابن السُّكَّرِيّ الشافعي، يكنى أبا القاسم من المائة السابعة.
ولد سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. وتفقه بالشهاب الطوسي، وظافر بن الحسين. ثُمَّ ولي القضاء يوم الاثنين ثامن شهر رمضان بعد موت صدر الدين ابن درباس، فِي سَلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب.
وكان قد اشتهر بالزهد والورع ومعرفة الفقه، حَتَّى نقل عنه ابن الرفعة فِي (المَطْلَب) . وجُمع لَهُ من الوظائف مَا لَمْ يجتمع لغيره من أقرانه. وَكَانَتْ لَهُ فِي النفوس عظمة، مع أنه لا يُحَابِي أحداً، ولا يعمل برسالة صاحب جاه.
وكان قَدْ صحب الشيخ القرشي وسمع من علي بن خلف الكوفي، وأبي إسحاق ابن سَماقا وغيرهما.
ومن قضاياه أنه رفعت إِلَيْهِ حكومة بسبب أمير توفي وترك ولداً، فادعى رجل بَدَيْن عَلَى الميت، فشهد عنده جماعة بالدين، فقال: تُزكَّى البينة. فشهدت عنده جماعة فكتب بخطه تُزكى البينة. فزكى السلطان أحد الجماعة، فكتب تَحْتَ حط أحدهما دون الآخر. فقال لَهُ السلطان: والله لقد تحققت مَا شهدت بِهِ. فقال لَهُ: تزكى البينة. فقال: دع عنك هَذِهِ الحكومة حَتَّى أحكم أنا فِيهَا. فقال: وَفِي غيرها وعزل
نفسه. وأقام بالقرافة فتردد إِلَيْهِ ولد السلطان سبع مرات، فصمّم عَلَى الامتناع حَتَّى يئس منه. فاستقر ابنُ عين الدولة، وَكَانَ يخلفه فِي الحكم. وحضر إِلَيْهِ ليسلم عَلَيْهِ عَلَى العادة، وذلك فِي ثاني عشر المحرم سنة ثلاث عشرة وستمائة. ويقال استمر المنصب بغير قاض مدة، ونوابه يفصلون فِي الأحكام، رجاء أن يجب إِلَى العود، فلم يفعل.
وكان يتولى الأحكام بنفسه غالباً، فاتفق أن تقدم إِلَيْهِ خصمان، فنظر إليهما ثُمَّ أمرهما بالمسير إلى بعض نوابه، فسئل عن ذَلِكَ، فقال: كَانَ أبو أحدهما صاحبي، وأحضر إليَّ هدية فرددتها. فلما رأيته وعرفته خشيت أن أميل بقلبي إِلَيْهِ.