ولد فِي رابع عشر جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. وسمع من أبيه وابن المصفّى وعلي بن الفرات، والوادي آشي وتقي الدين ابن عرام وغيرهم.
وتفقه بالإِسكندرية وَمَهَر. وأخذ الفقه عن أبيه، وجلس مع الشهود، ووقع عن القضاة، وناب فِي الحكم عن الربعي، واشتهر بالصيانة والديانة والصدق.
ثم قدم القاهرة وكتب فِي التوقيع وناب فِي الحكم. وولي القضاء بعد عزل عَلَم الدين البساطي، فِي جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين، وباشر مباشرة حسنة.
وكان عفيفاً أميناً، دافئ اللسان، قليل الاغتياب، كثير الزيارة لأهل العلم، وأهل الخير. يلازم الاعتكاف فِي رمضان. ضابطاً لنفسه، ولمنصبه، حازماً فِي أموره. لا يقبل الهدية، متشدداً فِي ذلك، وَفِي قَبول الشهود، مع المعرفة التامة بالشروط والسجلات. وَلَهُ فِي استخراج معانيها عجائب. وَلَمْ يدخل عَلَيْهِ فِي ولايته خَلَل إِلاَّ من جهة الاستكثار من الشهود، حَتَّى عاب الناس عليه ذَلِكَ. فلما بلغه اقتصر عن ذَلِكَ.
وكان من محاسن أهل العصر خصوصاً أهل بلده ومذهبه، وَكَانَ من أتباع أكمل الدين. فلما وقع بينه وبين الركراكي بسبب طلب تدريس المالكية في خانقاه شيخون. وذلك أن الأكمل كَانَ غضب من الركراكي لكلام صدر منه فِي البحث، فعزله من وظيفته. فتشفع ببعض الأمراء فكلم السلطان، فأرسل بعض أكابر الدولة يشفع فِيهِ عند الأكمل، فامتنع وأصر عَلَى الامتناع. فرفع القاضي جمال الدين ابن خير قصة يسأل فِيهَا أن يقرر فِي وظيفة الركراكي. فبلغ ذَلِكَ السلطان، فغضب. وصرف ابن خير عن القضاء، فأقام بمنزله بطالاً، وذلك فِي سابع عشر جمادى الآخرة، سنة ست وثمانين وسبعمائة. ثُمَّ أعيد إِلَى القضاء بعد
عزل ابن خلدون الآتي ذكره بعده، وذلك فِي جمادى الأولى سنة تسع وثمانين. وَكَانَ للناس بولايته هَذِهِ فرح وسرور لا مزيد عَلَيْهِ، ولا عهد نظيره فِي عصرهم، لشدة كراهيتهم لابن خلدون، فباشرها إِلَى أن مات فِي شهر رمضان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد