كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

ولد سنة سبعين وسبعمائة واشتغل وقرأ بالروايات، وتعاني عمل المواعيد، واختصر المغنى. وسمع من أصحاب سراج الدين القزويني. وتحول إِلَى القدس فسكنها زماناً، وولي قضاء الحنابلة.
ثُمَّ جرت لَهُ مع الباعوني، وهو يومئذ خطيب المسجد الأقصى كائنة، ففر إِلَى بغداد فأقام بِهَا مدة، وولي القضاء - عَلَى مَا زعم - ثُمَّ رجع إِلَى القدس، فوقع بينه وبين الهَروي. فدخل القاهرة فِي سلطنة المؤيد. فلما فتحت المدرسة المؤيدية فِي سنة إحدى وعشرين، قرر فِي تدريسها، ثُمَّ نقل إِلَى قضاء الشام فباشر مدة. ثُمَّ رجع إِلَى القاهرة بعد موت المؤيد، فوجد علاء الدين ابن المغلي قَدْ مات واستقر عوضاً عنه محب الدين البغدادي، فاتفقت لمحب الدين كائنة مع ابن مزهر، فصرف البغدادي، وقرر عز الدين.
وَكَانَ السلطان وجماعة من دولته يعرفونه من دمشق. وَكَانَ يظهر لهم التقشف الزائد بحيث كانوا يشاهدونه يحمل طبق الخبز إِلَى الفرن. ثُمَّ صرف بحيلة عملها ليستمر فِي القضاء، فانعكست عَلَيْهِ.
وكان ابن مزهر انحرف عنه لأمور متعددة. فاتفق أنه حضر عند ناظر الجيش عبد الباسط، فأمسك ذيله، وسأله أن يسأل السلطان فِي الاستعفاء من القضاء. وأن يرتب لَهُ مَا يكفيه، وينقطع فِي زاوية. وقصد بذَلِكَ أن تزيد رغبة السلطان فِيهِ. فكان كذلك، وحصل مقصوده. فَوَلَّدَ ابنُ مُزهر من هَذِهِ القصة شيئاً توصل بِهِ إِلَى عزله. وذلك أنه قال للسلطان: إن عز الدين أَلَحّ علينا فِي الاستعفاء، فقال لَهُ: فمن تولى؟ قال: محب الدين، فإن الَّذِي عزل بسببه، ظهر أن لا صحة لَهُ. فأذن فِيهِ فاستدعى بمحب الدين، وخلع عَلَيْهِ ونزل إِلَى الصالحية، وَلَمْ يكن عز الدين علم بشي من ذَلِكَ. فبغته الأمر، وبحث عن السبب إِلَى أن عرف من أين أتى، فسقط فِي يده. وصار يطوف ويكذّب من نقل عنه فلا يصدقه. وَكَانَ ذَلِكَ فِي سنة إحدى وثلاثين. فاستمر محب الدين إِلَى أن مات. وقرر عز الدين فِي غضون ذَلِكَ فِي القضاء بدمشق.
ثُمَّ صرف فِي أول دولة الظاهر. واستقر ابن مفلح، فقدم القاهرة، فلم يتمكن من

الصفحة 242