كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

يخرجون النساء وغيرهن للنَّوْح والبكاء عَلَى الحسين، وينشدون المراثي فِي الشوارع وتمد الغاغة أيديهم إِلَى أمتعة الباعة، فرفعوا ذَلِكَ إِلَى الحاكم، فأمر القاضي أن يمنعهم من المرور فِي الشوارع وأن يختص النوح والنشيد بالصحراء. واتفق أن بعض الكتاميين كَانَ من عنده حق فامتنع من أدائه، وَكَانَ عنده شدة بأس وعجرفة، فرفع أمره إِلَى القاضي، فأنفذ إِلَيْهِ رسولاً فأهانه، فرفع الأمر للحاكم فأمر بإٍِحضار الكتامي مسحوباً إِلَى القاضي بمصر، ثُمَّ أحضر إِلَى القاهرة ماشياً، وألزم بالخروج مما عَلَيْهِ.
وأمره الحاكم بالنظر فِي المساجد وتفقد أوقافها، وجمع الرّيْع وصرفه فِي وجوهه ففعل ذَلِكَ وبالغ فِيهِ، وأفرد لذلك شاهدين يضبطانه.
وزوج القاضي ولديه بابنتي القائد فضل بن صالح، وَكَانَ الإملاك بالقصر عَلَى صداق أربعة آلاف دينار أنعم الحاكم بِهَا من بيت المال، فَخُلع عَلَيْهِ ثوبان مفصلان وست عشرة قطعة من الثياب المكفوفة، وحملا عَلَى بغلتين مسروجتين، وقِيد بَيْنَ يديهما مثل ذَلِكَ.
وتصلب القاضي فِي أحكامه، وارتفعت كلمته وتعزز عَلَى جميع أهل الدولة، وتقدم إِلَى جميع الشهود أن من يتخلف من البكور إِلَى حضور المجلس كل اثنين وخميس ألزم بمغرم ثقيل. وسأله خليفته فِي الحكم مالك بن سعيد، أن يستخلف الخليل بن الحسن عنه إذا طرقه أمر منعه من الركوب أَوْ التوجه إِلَى مجلس الحكم فأذن لَهُ. وَلَمْ يعهد ذَلِكَ لغيره، أن النائب يستنيب عنه فِي المدينة.
وذكر المسبحي فِي تاريخه فِي حوادث سنة سبع وتسعين وثلاثمائة مَا حاصله أن عليّ بن سليمان المنجم، وَكَانَ من خواص قائد القواد الحسين بن جوهر، أخبره أن القاضي زار الحسين بن جوهر القائد فِي داره يوم أحد فِي صيام النصارى، وَكَانَ عنده أبو الحسن الرَّسي والمسبحي ومن يخدمهم. فدخل الغلام، فقال: أبو يعقوب بن نسطاس الطبيب بالباب، فأذن لَهُ، فدخل وهم على المائدة، فأظهر السرور بِهِ وأحضر لَهُ عدة ألوان. ثُمَّ رفعت المائدة وقدم الشراب وَمَا يلائمه من الفاكهة والمشروب. فأقبلوا عَلَى عملهم إِلَى أن سكروا. فأما القاضي فانصرف، ونام القائد والرسي. واستمر أبو يعقوب الطبيب بالطارمة الَّتِي كَانَ بناها فِي ذَلِكَ المكان - وهي تطل عَلَى نهر كبير - يشرب ويطرب، إِلَى أن غلب عَلَيْهِ السكر. فخرج وطلب بغلته، فقدمت له بغلة الرَّسي فامتنع من ركوبها، فسأله الخدم أن يعود إِلَى مكانه إِلَى أن تحضر بغلته،

الصفحة 248