فرجع
إلى المكان الَّذِي فِيهِ الرسي فنام إِلَى جانبه فقام أحد الفراشين فرفع الستارة يتفقدها فرأى الرسي وَلَمْ ير أبا يعقوب، فدخل وطلبه، فلمح طرف ثوبه فِي الماء فاستدعى فراشاً يعرف السباحة فنزل إِلَى النهر فوجده قَدْ التَّفت ثيابه عَلَى وجهه فغطس فِي الماء، فأعلم الخدم القائد فاستدعى القاضي، وانتبه الرَّسي وشق عليهم ذَلِكَ، لعلمهم بمنزلته من الحاكم. فسألوني أن أَعلم الحاكم بذلك فدخلت إِلَيْهِ فذكرت لَهُ: أن أبا يعقوب قام من الليل وهو دهش فسقط فِي النهر، فإلى أن يصل إِلَيْهِ الفراش وجده قَدْ التف فِي ثيابه فغطس. فشق عَلَيْهِ وأظهر الأسف، وبحث عن الأمر، فعرفوه بصورة الحال، فهز رأسه ونكس، فإِذا بالقاضي والقائد والرسي قَدْ وصلوا إِلَى القصر مشاة بعمائم لطاف. فاستدعاهم فحلفوا وأكدوا لَهُ الأيمان إن كَانَ لَهُم فِي شأنه شيء، واستشهد القائد والقاضي بالرسي فشهد لهما بالبراءة من ذَلِكَ، فأمر بتكفينه ودفنه. وَكَانَ ذَلِكَ فِي أواخر سنة سبع وتسعين وثلاثمائة.
فلما كَانَ فِي يوم الخميس النصف من شهر رجب سنة ثمان وتسعين شاع بَيْنَ الناس أن عبد العزيز القاضي عزل، وقرر خليفته مالك بن سعيد، فارتفع النهار وَلَمْ ينزل إِلَى مجلس الحكم، إلى قرب الظهر، ثُمَّ نزل وحكم وصلى بالناس الظهر إِلَى أن انصرف بمفرده، من غير حاجب ولا رِكَابيّ حَتَّى دخل داره.
فلما كَانَ آخر النهار طاف جماعة عَلَى جميع أولياء الدولة، بأن يجتمعوا بالقصر بكرة، فحضروا. وحضر مالك بن سعيد، فقُلِّد جميع مَا كَانَ بيد عبد العزيز.
وَكَانَتْ مدة ولاية عبد العزيز ثلاث سنين وتسعة أشهر وثمانية وعشرين يوماً.
قال المسبحي: عَزَل عبد العزيز فِي أيام نظره فِي المظالم ثلاثة عشر نفساً وَفِي أيام قضائه نفسين.
واستمر عبد العزيز بعد عزله يتردد إِلَى القصر خائفاً يترقب القتل، إِلَى أن كَانَ الحادي عشر من جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين؛ ركب القائد حسين بن جوهر والقاضي عَلَى عادتهما، فسلما وانصرفا، فأرسل إليهما، فحضر عبد العزيز أولاً فاعتقل، ورجع خادمه ببغلته. واختفى القائد وولده فكسر بابه، وحرّض الحاكم عَلَى تحصيله فتعذر عَلَيْهِ. فأمر بإِطلاق عبد العزيز، فرجع إِلَى منزله وَقَدْ أقاموا عَلَيْهِ العزاء، فسكَّنهم. وَكَانَ الباعة قَدْ أغلقوا حوانيتهم فأمرهم بفتحها. ثُمَّ بعد ثلاثة أيام حضر القائد بالأمان، فخلع عَلَيْهِ وَعَلَى عبد العزيز خلعاً سنية وحملت قدامَهُما ثياب كثيرة،